الثورة – مها دياب:
في قلب المحن حيث تتداعى الظروف الاقتصادية والاجتماعية، تنهض مبادرات إنسانية تشكل شمعة في عتمة اليأس، في دمشق وريفها، تعمل مؤسسات مثل “أشرقت التنموية” و”نضال التنموية” و”يراع وإبداع” و”مسك الأهلية” و”جمعية التآخي” على صنع فرقٍ حقيقي في حياة الأسر المعوزة، والأرامل، وذوي الإعاقة، والأطفال المحرومين.
فهذه المؤسسات ليست مجرد جهات تقدم خدمات، بل هي منصات لإعادة الأمل، وبناء القدرات، وخلق فرص جديدة في مجتمعٍ يحاول النهوض من تحت ركام التحديات.
“أشرقت التنموية” لذوي الإعاقة
تأسست “أشرقت التنموية” على يد السيدة وفاء أبو حمرة، كمشروعٍ تنموي يركز على تمكين الفئات الأكثر هشاشة، وخصوصاً النساء المعيلات وذوي الإعاقة، لم تكن المؤسسة مجرد مكانٍ لتقديم المساعدات العابرة، بل تحولت إلى منصة لصنع قصص نجاح حقيقية.
من بين أبرز إنجازاتها بينت السيدة أبو حمزة: تأمين فرص عمل للنساء اللواتي تحملن عبء إعالة أسرهن، بعد أن كن يعانين من البطالة والفقر، كما فتحت المؤسسة أبوابها لذوي الإعاقة، مؤمنة أن الإعاقة ليست عائقاً أمام الإنجاز.
ولم تقتصر جهودها على ذلك، بل عملت على تطوير قدرات المتطوعين لديها عبر دورات مهنية وأكاديمية، ما أتاح لهم فرصاً جديدة كمدربين في المؤسسة نفسها، يقول أحمد: “التطوع ليس مجرد عمل، بل هو رسالة إنسانية، أشعر بالفخر عندما أرى تأثير جهودي على حياة الآخرين، ” أما سارة، فقد أكدت أن التطوع منحها فرصة للتواصل مع المجتمع وفهم احتياجاته بشكل أعمق، مضيفة: “أشعر بالسعادة عندما أرى الأطفال يبتسمون بعد تلقيهم الدعم.
اليوم، تواصل “أشرقت التنموية” عملها بدورات مكثفة مجانية لطلاب الصف التاسع، رغم التحديات المالية، حيث تعتمد على التمويل الذاتي من أعضاء مجلس الأمناء، دون أي دعم خارجي.
تمكين وتنمية مجتمعية
في ريف دمشق، حيث تشكل الأزمات عائقاً أمام التنمية، تأسست “مؤسسة نضال التنموية” كمبادرة مجتمعية تهدف إلى إحداث تغيير حقيقي، بجهود السيدة مهى الدعبل، توسعت أنشطة المؤسسة من الخدمات الاجتماعية إلى التعليم والتمكين الاقتصادي، وصولاً إلى مشاريع الإسكان.
تقول رئيس مجلس الأمناء دعبل: من أبرز مشاريعنا توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة التربية لتقديم جلسات تقوية مجانية لجميع المراحل الدراسية، لمساعدة الطلاب على متابعة تعليمهم بنجاح، كما أقمنا دورات مهنية وحرفية متنوعة، مثل صناعة المنظفات والخياطة وتعليم الحلاقة وإعادة التدوير، والتي ساهمت في تحويل العديد من النساء إلى رائدات أعمال قادرات على إعالة أسرهن.
(باسمة الجردان) تمكنت بفضل هذه الدورات من فتح مشغل صغير لصناعة المنظفات، بدأت بيعها ضمن العائلة والجيران للتوسع بالعمل فيما بعد وبدعم من المؤسسة للبيع للمحال.
وأضافت: لم يقتصر دور “نضال” على الجانب التعليمي، بل امتد إلى تنظيم مسابقات فنية وأدبية مثل “الشاعر الصغير” و”الرسام الصغير”، التي كشفت عن مواهب أطفال لم تكن لتكتشف لولا هذه المبادرات، ومع ذلك، تبقى التحديات المالية عقبةً أمام توسعها، وتعتمد المؤسسة على التبرعات الذاتية في تغطية نفقاتها
عندما يصبح الفن علاجاً
“عندما يصبح التدريب حياة جديدة”، بهذه الكلمات تصف الفنانة التشكيلية رانيا نكد، رئيس “مؤسسة يراع وإبداع”، رؤيتها للعمل المجتمعي بقولها: نقوم بدعم المرأة والطفل من خلال ورشات تدريبية مهنية، مثل ورشات التريكو والكروشيه، ونحتفل بكل المناسبات المجتمعية الداعمة للأسرة مثل يوم المرأة والطفولة، بمشاركة الفريق التطوعي لدينا، الذي تم تدريبه على العزف والغناء والتعامل مع الأطفال وخاصة المعاقين منهم، ونركز على جلسات الدعم النفسي، حيث تجد النساء مساحةً للحديث عن همومهن، وتبادل الخبرات، وبناء الثقة بأنفسهن.
أيضاً بما أننا نؤمن أن التعليم هو مفتاح المستقبل، نعمل بالتعاون مع عدد من الأساتذة لتعويض الفاقد التعليمي وجلسات مستمرة لدروس تحضير الامتحانات رغم كل التحديات المالية لدينا.
من بين الحالات المؤثرة، كانت السيدة مريم الخوري (75 عاماً)، التي وجدت في المؤسسة فرصةً لنقل خبرتها إلى جيلٍ جديد، والسيدة فاتن رزق، المدرسة المتقاعدة التي خرجت من عزلة الاكتئاب بفضل هذه الورشات، وتقول إحدى المدربات: “بعض السيدات كنّ يبكين أثناء التدريب، ليس من الألم، بل لأنهن وجدن أخيراً من يفهم معاناتهن”.
وتذكر المدربة جومانا زغيب أن الكثير من المشاركات بدأن معنا من الصفر، والآن يعملن وينتجن لأنفسهن ويعرضن من أجل البيع ضمن محيطهن تمهيداً للتعريف بهم وبدعم كامل من قبلنا.
بصيرة جديدة للحياة
بدأت قصة “مؤسسة مسك الأهلية” في دمشق بحلم بسيط: مساعدة الأطفال المحتاجين لنظارات طبية، تحت إشراف الدكتورة شذى الحاج عثمان، تحوّلت هذه الفكرة إلى مبادرة كبرى تشمل دعم الطلاب الجامعيين، وتأمين العمليات الجراحية العينية، وحتى تنظيم مسابقات تحفيزية للأطفال الذين يعانون من مشكلات في النظر.
من بين قصص النجاح، طالبة جامعية من دون أطراف علوية، واجهت الصعوبات بإرادةٍ حديدية، وتمكنت من إكمال تعليمها بفضل الدعم الذي تلقته، أيضاً منهم فتاة معنفة بعد طلاق تعسفي أعدناها لصفوف الدراسة وأخذت الثانوية والآن هي طالبة جامعية كما ساعدت المؤسسة في إجراء عمليات جراحية عاجلة لمن لا يملكون تكلفتها، مما أنقذ بصرالعديد من الأطفال.
العون في أصعب الظروف
تأسست “جمعية التآخي الأهلية” بهدف تقديم الدعم للأسر المحتاجة، ودعم وتمكين المرأة وخصوصاً تلك التي لديها أطفال من ذوي الإعاقة.
يقول رئيس مجلس الأمناء هادي فروج، نفذت الجمعية العديد من المشاريع، مثل توزيع المساعدات المالية والغذائية، وتكريم الطلاب المتفوقين، وحملات النظافة في ريف دمشق.
كما أقامت الجمعية نشاطاتٍ رمضانية، مثل توزيع الخبز وتحضير وجبات الإفطارالجماعية، مما ساهم في تخفيف العبء النفسي عن العائلات الأكثر حاجة، أيضاً الاحتفال بالأعياد الاجتماعية، كعيد الأم والطفل للمنتسبين لدينا.
التحديات
رغم الدور الاجتماعي الذي تقوم به هذه المؤسسات إلا أن المسؤولين عنها أجمعوا على مجموعة التحدياتٍ المواجهة لهم، وأبرزها: الاعتماد على التمويل الذاتي، وعدم كفاية الإمكانيات لجميع المستفيدين، وأحياناً يكون التمويل إن وجد في المناسبات الموسمية فقط كشهر رمضان.
أيضاً صعوبة الحصول على التمويل من المنظمات والمؤسسات الدولية العاملة في المجال التنموي والمجتمعي أو حتى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، الأمر الذي يحد من قدرتهم على توسيع خدماتهم.
كما أن التبرعات التي تأتي من الأفراد كثيراً ما تكون رهينة إرادتهم بالتوجه لمشاريع ذات أثر سريع كتقديم سلة غذائية أو هدايا، وهناك صعوبة كبير بإقناعهم بأهمية العمل التنموي كدعم تعليم امرأة معيلة أو تأهيل معوق من أجل العمل على إعالة أسرته كما أكدت إحدى المشرفات في هذه المؤسسات.
أيضاً الحاجة إلى متخصصين في الدعم النفسي، ومدربين متطوعين بسبب عدم قدرتهم على تغطية تكاليفهم، ويعاني الكثير من المستفيدين من صدامات ومشاكل نفسية تحتاج إلى رعايةٍ طويلة الأمد.
الحلول ممكنة
كما تقول مسؤولة إحدى المؤسسات: “لو وجدنا داعمين مستدامين، سنتمكن من توسيع برامجنا، ومساعدة المزيد من المحتاجين”، ويجب محاولة إشراك عالم المال والاقتصاديين في دعم المؤسسات، ودعم من استطاعوا بفضل التدريب على تعلم مهنة بتأمين فرص عمل لهم، أو تسويق منتجاتهم، أيضاً تقديم منح للطلبة لإكمال تعليمهم، وتنمية مهاراتهم من أجل إدخالهم سوق العمل والاعتماد على أنفسهم.
رسالة إنسانية
في الختام..تثبت هذه المؤسسات أن التغيير الحقيقي يبدأ بخطوةٍ صغيرة، وإرادةٍ لا تعرف اليأس، قد لا تملك الموارد الكبيرة، لكنها تمتلك قلباً كبيراً يمنح الأمل لمن فقدوه، كما قال أحد المستفيدين: “لقد أعادوا لي إيماني أن الحياة يمكن أن تتغير، حتى في أصعب الظروف”.