الثورة- نور جوخدار:
في ظل تصاعد الخلافات السياسية والاقتصادية بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، ازداد الوضع تعقيدًا بعد لقاء الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض مؤخرا، لقاء وصفته صحيفتا نيويورك تايمز وفورين بوليسي بأنه لقاء إذلال يعيد للأذهان حقبة العنصرية العلنية التي اتسم بها رؤساء الولايات المتحدة السابقون.
وبحسب مقال للكاتبة ليديا بولغرين في نيويورك تايمز، وصفت اللقاء الذي عُقد بين الرئيسين بأنه “غريب”، مشيرة إلى أنهما يشتركان في العديد من الأمور، فكلاهما رجل أعمال ثري وصل في مرحلة متأخرة من حياته إلى أعلى منصب في بلده، فترامب صنع ثروته من قطاع العقارات والفنادق والكازينوهات والشقق الفاخرة، أما رامافوزا كان المفاوض الرئيسي في المحادثات التي أنهت نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وبرزت موهبته في تحقيق التوافق واتخاذ القرارات الصعبة.
وذكرت الكاتبة أن الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا لديهما خلافات عديدة للتفاوض حولها، مثل قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا على إسرائيل، والرسوم الجمركية، وخفض واشنطن للمساعدات، لكن ترامب كان يخطط لشن هجوم على رامافوزا.
وخلصت الكاتبة ليديا بولغرين في مقالها إلى أن ترامب ربما يكون قد حقق غايته اللحظية من اللقاء مع رامافوزا، لكنه لم يُسجل أي نجاح يُذكر في عقد الصفقات الدولية مؤخرًا، مشيرة إلى أن وعود ترامب الانتخابية، وعلى رأسها إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا في اليوم الأول من رئاسته، اصطدمت بتعنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما فشلت محاولاته لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف العمليات العسكرية الدموية في غزة، في ظل استمرار المذبحة الوحشية هناك، إضافة إلى ذلك، اعتبرت بولغرين أن طرح ترامب الفوضوي لسياسة الرسوم الجمركية بهدف إخضاع القوى الاقتصادية الكبرى لم يُحقق النتائج المرجوة.
ووصفت الكاتبة رؤية ترامب بأنها خيال، حيث تخيّل أن زعماء العالم سيصطفون داخل مكتبه البيضاوي المذهّب حديثًا، مستعدين لطقوس إذلال كررها مرتين مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وها هو اليوم يعيد المشهد مع رئيس جنوب أفريقيا.
عودة إلى العنصرية
أما صحيفة فورين بوليسي، فقد تناولت الموضوع بشكل مباشر، واعتبرت أن الاجتماع بين ترامب ورامافوزا يُجسد عودة إلى العنصرية العلنية التي اتسم بها عدد من رؤساء الولايات المتحدة السابقون.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب كان قد بدأ منذ أسابيع تصعيدًا ضد جنوب أفريقيا، بتشجيع من مستشاره الملياردير إيلون ماسك، المولود في جنوب أفريقيا.
وفي مقال للكاتب هوارد فرينش، ذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة بقطع واشنطن المساعدات ثم طردها سفير جنوب أفريقيا لديها بذريعة ارتكابها “انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان” ضد الأقلية البيضاء، لم تكن سوى مقدمة لسلوك ترامب الفاضح خلال لقائه برامافوز.
وكان ترامب خفض أضواء المكتب البيضاوي لعرض لقطات زعم أنها تظهر مقابر جماعية لمزارعين بيض في جنوب أفريقيا ظلوا ضحايا إبادة جماعية مستمرة، ولكن الصحافة سرعان ما دحضت الأدلة المزعومة، وأظهرت أن الصور لم تكن من جنوب أفريقيا، بل من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
واستغرب الكاتب مواقف الرئيس ترامب حيال القضايا الدولية حيث أبدى ترامب تعاطفًا علنيًا مع سقوط ضحايا من الجنود الروس والأوكرانيين، واصفًا ذلك بـ”المريع”، لكنه تجاهل تمامًا المجازر المرتكبة في السودان، كما سعى إلى تجريم معارضة قتل الجيش الإسرائيلي لأكثر من 53 ألف فلسطيني في غزة، وهو ما وصفته جماعات حقوق الإنسان والنقاد اليهود بأنه إبادة جماعية، كما أظهر لامبالاة صارخة بتدمير غزة بأكملها، وجمودا في مواجهة محاولة إسرائيل الاستيلاء على المنطقة ونفي أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وظل يتمسك بخيال غريب لتحويل غزة إلى تطوير عقاري حصري للأثرياء.
استثناء واضح
وخلص الكاتب إلى أنه من الصعب فهم كون القصص الملفقة عن مواجهة البيض من جنوب أفريقيا مصادرة الممتلكات والعنف هي الفظاعة الأخلاقية في الوقت الحالي، إلا من خلال تاريخ ترامب من العنصرية والتحيز ضد السود.
من جانبهما، تقول الباحثة ميشيل جافين في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي: إن خلفية الاجتماع الذي عُقد في 21 أيار بين ترامب ورامافوزا كانت أكثر قتامة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وأوضحت جافين أن الولايات المتحدة، خلال أشهر قليلة فقط قبل اللقاء، قامت بعدة خطوات تصعيدية ضد جنوب أفريقيا، تمثلت في إيقاف المساعدات الخارجية المخصصة للبلاد، وبددت الآمال بتمديد اتفاقية تجارية قائمة وهددت بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% ، وطردت السفير الجنوب أفريقي من واشنطن، ووجهت اتهامات متكررة للحكومة الجنوب أفريقية بالتقاعس عن التصدي لما سُمي بـ”إبادة جماعية” ضد الأقلية البيضاء.
وأضافت الباحثة أن إدارة ترامب لم تكن معروفة باهتمامها الخاص بالقضايا الأفريقية، إلا أن تركيزها على الأوضاع في جنوب أفريقيا سواء كانت هذه الأوضاع حقيقية أم مختلقة يُعد استثناء واضحا.