السلم الأهلي مسؤوليات مشتركة.. قرارات وأنشطة ودعوات لخطاب جامع بعيد عن الكراهية في المؤسسات التعليمية
الثورة – مريم إبراهيم:
يبدو أن خطاب التجييش والفتنة مشكلة غاية في الدقة والحساسية لا يمكن تجاهلها بالمطلق، طالما الواقع الميداني يعكس الكم الكبير من الآثار السلبية لها، ولاسيما وهي حصلت ضمن نطاق محدود ببعض المؤسسات التعليمية، سواء منها مدارس ومعاهد وجامعات وغيرها، ما يدعو لدق ناقوس الخطر لضرورة معالجتها. لكن الوزارة تدخلت وأخذت القرارات المناسبة .
تعدد جوانب المشكلة، يدعو للتنبه والعمل وفق إجراءات رادعة وسريعة، حفاظاً على استقرار هذه المؤسسات والتي هي بالأصل بيئة تعليمية تربوية، وليست مكاناً لبث أشكال الفتنة والتحريض والتجييش، ولاسيما في ظل الظروف الحالية التي يعيشها السوريون، والتي تبرز فيها أهمية الحفاظ على السلم الأهلي والمجتمعي، ونبذ كل الاحقاد والتعاون والتكاتف للبناء، والدعوة للعيش المشترك بين الجميع، وبالتالي هناك عديد من الجهات المعنية تبدو مسؤولة مباشرة عن معالجة هذه المشكلة بطرق مناسبة منها وزارات التربية والتعليم العالي والرياضة وغيرها من وزارات أخرى.
عقوبات رادعة
التعليم العالي كجهة معنية يترتب عليه مسؤوليات كبيرة في هذا الإطار، فالجامعات والمعاهد تبدو أمكنة مساعدة لبث دعوات من يقومون بنشر الفتنة والتحريض، وكانت الوزارة أصدرت قراراً يحظر نشر أو تداول أو ترويج أي محتوى يتضمن تحريضاً على الكراهية أو الفتنة أو يسيء إلى الوحدة الوطنية أو السلم الأهلي، وهي أرض خصبة للنشاطات الشبابية التي تعزز العيش المشترك، مع أهمية ابتكار قوانين صارمة، ومعالجة خلفية هذه المشكلة، وإحداث هيئات طلابية للحد منها، والسعي لوضع المبادئ والأسس لترسيخ مبدأ التعايش الاجتماعي، ونبذ خطاب التفرقة والتعصب.
وأكدت الوزارة أن كل مخالفة للقرار من قبل أعضاء الهيئة التعليمية والطلاب والعاملين في الوزارة والجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد العليا والجهات التابعة للوزارة، تعرّض مرتكبها للمساءلة الجزائية والمدنية والمسلكية والتحويل إلى المجالس المختصة (التأديب- الانضباط) لاتخاذ العقوبات الرادعة، والتي قد تصل إلى الفصل النهائي أو الإحالة إلى القضاء حسب أحكام القوانين والأنظمة النافذة، وكلفت الوزارة رؤساء الجامعات الحكومية والخاصة وعمداء المعاهد العليا والمديرين العامين للمدن الجامعية، وكل المديرين العامين في الجهات التابعة لها بمتابعة تنفيذ القرار.
تقبل الآخر
ولا يقل دور التربية أهمية عن التعليم العالي، إذ إن الوزارة تدرك خطورة الظاهرة، وبالتالي اتخذت جملة إجراءات، منها تدريب فريق من الموجهين والمعلمين في دمشق بالتعاون مع اليونيسف على السلم الأهلي والإجراءات المتعلقة به، والفريق انطلق بعد إجراء التدريبات اللازمة إلى المحافظات لتدريب المعلمين والموجهين في المحافظات- بحسب معلومات الوزارة، إضافة لتعزيز الأنشطة الخاصة بالسلم الأهلي، من خلال تفعيل غرفة النشاط مثل مسرح الدمى والألعاب التي تعزز ثقافة تقبّل الآخر، وطريقة حل المشكلات بطريقة سلمية، ومهارات التواصل، وأهمية الرياضة، التي تشكل علاجاً للكثير من المشكلات، وتسعى الوزارة بالتعاون مع وزارة الرياضة والشباب لإطلاق أولمبياد الرياضة الوطنية على مستوى التربية في سوريا بداية العام القادم.
تفعيل المراكز الشبابية
بدورها وزارة الرياضة والشباب لها الدور الأساسي في تعزيز السلم الأهلي، من خلال تفعيل المراكز الشبابية في الجامعات والمدارس، وتكثيف الأنشطة الرياضية، ودعم المنشآت الرياضية في المدارس والجامعات، وإقامة نشاطات تسهم في تعزيز وحدة الشعب السوري.
من جهتها وزارة الطوارئ والكوارث تؤكد أن مفاهيم السلم الأهلي هي جزء أصيل من الثقافة الوطنية التي تتبناها الوزارة، كما أنها اتخذت مجموعة من الإجراءات لتعزيز الحوار والسلم الأهلي، من خلال الأنشطة التطوعية التي تنفذها أو ترعاها، والاستجابات التي تقوم بها بكل المجتمعات والتي تعزز مبدأ العدالة في الاستجابة لكل المجتمعات، وتشجيع تبادل الخبرات بين مختلف المجتمعات بما يساعد في الانتقال من الانتماء الطائفي أو الإقليمي إلى مفاهيم الولاء الوطني.
دواء الداء
مدير المعهد العالي للتخطيط الإقليمي الدكتورة غادة بلال بينت لـ”الثورة” أهمية دور المؤسسات التعليمية وكوادرها العاملة في التدريس من طلاب وأساتذة، مؤكدة ما لهذه المؤسسات من دور هام جداً في مواجهة ومعالجة هذا الداء القائم على التحريض وخطاب الكراهية بين الطلاب وبين الأساتذة وما بينهما معاً.
وأضافت الدكتورة بلال أن الجو الأكاديمي في الجامعات وحتى في المدارس ومقاعد الدراسة قادر على كل أساليب وأدوات التحريض وبراثين الكراهية والطائفية والتحريض وما إلى ذلك، وبمجرد أن يجتمع الطلاب على مقاعد الدراسة وتحت مظلة العلم وتتكاتف الجهود بتحفيز العقول باتجاه الإبداع والابتكار، فهذا أهم دواء وعلاج لهذا الداء ومن هنا نجد أن النسبة الكبرى من كوادر المؤسسات التعليمية من أساتذة وطلاب وإداريين هم من أكثر الناس الأصحاء في المجتمع بسبب وجود العلم وتسلحهم به، ومقاعد الدراسة التي تخلق هذا الجو الصحي وتتبنى هذه العقول النيرة، وكلما ارتفعت هذه النسبة من هذه العقول كلما انخفض تأثير هذا التحريض والخطاب بين أفراد المجتمع السوري.
وأشارت الدكتورة بلال إلى أنه في جامعة دمشق نجد أن النسبة الأكبر هي من الطلاب الواعيين وأفراد المجتمع المميز وعقول الطلبة السوريين المبدعة التي تتميز أيضاً في الجامعات والمحافل الدولية بإمكانياتهم ومؤهلاتهم المميزة بالإبداع والابتكار، وهذا يؤكد على أن صحة العقل السوري للمواطن والطالب وقابليته ليتلقى كل الأمور السليمة والصحية في أساليب الحياة المجتمعية، ومن هنا يتأكد أن المجتمع السوري من أفضل المجتمعات القابلة في تاريخها الماضي، وفي المستقبل القريب، وتكون أمثولة للألفة والسلم الأهلي والتعاضد المجتمعي، وبوجود الطلبة السوريين المميزين بعقولهم النيرة وأدواتهم العلمية الصحيحة والسليمة.
دور تربوي
المدرسة ندى محمد، أشارت إلى حجم الخطر المحدق في بعض المدارس نتيجة بث خطاب الفتنة والتحريض وانعكاسه سلباً على الطلاب، وما يحدثه من شقاق ونزاعات بينهم، وهنا يبرز دور المرشدين النفسيين والاجتماعيين والمدرسين والكوادر الإدارية لتوعية الطلاب بخطر المشكلة، والتعاون بين الجميع لنبذ جميع أشكال الكراهية والتفرقة، فالمدارس يجب أن تبقى بيئة آمنة لنشر العلم والمعرفة وتأدية دورها الأساسي في العملية التربوية والتعليمية والحفاظ على السلم الأهلي بين جميع طلاب المدارس.
بالعموم المشكلة أخطر من أن تعالج بمجرد كلام وتصريحات هنا وهناك، وتحتاج لتعاون جميع الجهات، وبمسؤوليات مشتركة رسمية ومجتمعية، فعواقبها لا تعكس الخطر على مجرد فرد أو طرف واحد، بل الخطر سينعكس على الأفراد والمجتمع بشكل عام، وبالتالي لابد من التوعية والمعالجة بما يحقق الانتقال من الانتماء الطائفي أو الإقليمي إلى مفاهيم الولاء الوطني، وفي وقت نحن أحوج فيه لشحذ الهمم وتكاتف السواعد لأجل العمل والبناء.