قضية القاضي “حسكل” تفتح ملفات العدالة المؤجلة.. إرث القضاء الفاسد تحت المجهر إصلاح القضاء لم يعد خياراً بل ضرورة وطنية

أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي

مما لاشك فيك أن فساد المنظومة القضائية في عهد نظام الأسد، يُعد أحد أبرز أركان الدولة الأمنية التي أسّسها النظام على مدى عقود، وكان للقضاء دور محوري في ترسيخ الاستبداد وشرعنة القمع، في وقت يتطلع السوريون اليوم لإنهاء إرث هذه المنظومة ومحاسبة المتورطين فيها وبناء منظومة قضائية جديدة ترتقي لتطلعات السوريين.

فتحت قضية الاعتداء على أحد القضاة في محافظة حلب، وماأثارته من تفاعل منذ يوم أمس، ملف مهم يرتبط بإصلاح المنظومة القضائية في سوريا، والتي تعتبر أحد أكبر الملفات الحساسة التي ينهشها الفساد منذ عهد نظام الأسد، وباتت مطلب شعبي وضرورة لتطوير العمل القضائي وضمان سير العدالة ومحاسبة المجرمين والفلول.

ورغم تضارب الروايات، لكن الثابت أن هناك خلاف حصل بين القاضي “أحمد حسكل” وعنصر أمني من قسم الصالحين، أثناء أدائهم لمهمة رسمية يوم السبت 24 أيار/مايو 2025، وماتلاها من عملية توقيف القاضي وضربه من قبل العناصر الأمنية، رغم أن القاضي نفسه قام بضرب أحد العناصر أمام مشفى حلب الجامعي أيضاً مدافعاً عن نفسه.

وزارة العدل أصدرت بياناً أكدت فيه استنكارها للحادثة، وإجراء اتصالات مع وزير الداخلية الذي استنكر الحادثة بشدة، ووجّه بالإسراع في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وقالت إنه تم على الفور توقيف المتورطين في الحادث، وفُتح تحقيق عاجل، وأحيل الملف إلى القضاء المختص لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة.

وشددت وزارة العدل على التزامها الكامل بحماية القضاة وتعزيز استقلال القضاء، كما حذرت من الانسياق وراء الشائعات والأخبار المغلوطة، وقالت إنه لم يسبق للقاضي “أحمد حسكل” العمل في محاكم الإرهاب الملغاة، معتبرة أن سبل المحاسبة والعدالة تتم عبر القنوات القانونية الصحيحة، داعية إلى عدم اللجوء لأي إجراءات خارج نطاق القانون.

حقوقيون ونشطاء كان لهم موقف واضح في رفض التعدي على أي مواطن سوري أي كان بهذا الأسلوب الأمني، بدوافع انتقامية أو خارج إطار القانون، مشيرين إلى أن النظام القضائي في سوريا تحت حكم نظام الأسد يُعد واحداً من أبرز رموز الفساد وانهيار الثقة بالدولة، وأن تلك المنظومة القضائية قد تحولت إلى أداة للترهيب السياسي، ووسيلة لتصفية الخصوم، بدل أن تكون حصناً للعدالة وسيادة القانون.

لكن القضية أخذت بعداً واسعاً، ففي وقت انتقد حقوقيون آلية التعامل وتوقيف القاضي وضربه بهذه الطريقة، معتبرين أن الحادثة تمثل “تعديًا صريحًا على هيبة السلطة القضائية” ويهدد مبدأ استقلال القضاء، هناك من يطالب بكف يد القضاة والمحامين المتورطين بالعمل في عهد النظام البائد، والنظر في ملفاتهم ومنعهم من الترافع لحين البت في أمرهم.

وأكد المعلقون أن تجميد صلاحيات هذه المنظومة يشكّل ضرورة قصوى في المرحلة الانتقالية، تمهيداً لإعادة بناء سلطة قضائية مستقلة ونزيهة، وضرورة أن يُرافق ذلك إحالة جميع العاملين في هذه المنظومة – من معقّبي المعاملات إلى كبار القضاة إلى المساءلة القانونية -، ضمن إطار دولة القانون، وبما يضمن العدالة لا الانتقام.

هذه الواقعة لم تكن الأولى في حلب، سبق أن أطلقت فعاليات من نشطاء وحقوقيين، حملة إلكترونية تحت اسم “القصر_العدلي_عدو”، رفضاً لاستمرار وجود قضاة ومحامين داخل مؤسسة القضاء، ممن ارتبطوا سابقاً بمنظومة النظام البائد، وكانوا جزءاً من أدواته القمعية.

وكان قال منظّمو الحملة إن هذه الخطوة تأتي انطلاقاً من “المسؤولية الثورية والإعلامية، ووفاءً لدماء الشهداء والمعتقلين وضحايا الظلم”، مؤكدين أن مؤسسات العدالة لا يمكن أن تُدار بأدوات النظام الذي شرعن القمع واستباح كرامة الإنسان.

وأكد هؤلاء أن “القصر العدلي في حلب” كان خلال سنوات حكم النظام بمثابة “منصة لتوقيع قرارات الظلم، وشرعنة الاعتقالات التعسفية، والتغطية على جرائم المخابرات”، على يد قضاة ومحامين تورطوا في خدمة منظومة الاستبداد، وتحوّلوا إلى أذرع أمنية بغطاء قانوني.

وختم البيان بالتأكيد على أن “لا عدالة بوجود من خانها، ولا هيبة لقضاءٍ يحتضن من شرّع السجون ومهّد لسنوات من الدم والظلم”، مشددين على أن تطهير المؤسسة القضائية هو شرط أساسي لبناء دولة عادلة بعد عقود من الاستبداد.

كما أعلن مجلس فرع نقابة المحامين في حلب، وقف الترافع أمام قاضي مرتبط بنظام الأسد، في جميع القضايا المعروضة عليه، وتجميد أي نشاط قانوني أو محاماة أمامه من قِبل المحامين المنتسبين للفرع، وذلك على خلفية اتهامه بالضلوع في ارتكاب “جرائم جسيمة” بحق الشعب السوري خلال فترة توليه مهامه القضائية.

وكان أصدر رئيس الجمهورية العربية السورية المرسوم رقم (20) لعام 2025، والذي ينص على تشكيل هيئة مستقلة تحت مسمى “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية”، وذلك بناءً على الصلاحيات الممنوحة له واستنادًا إلى أحكام الإعلان الدستوري.

وجاء المرسوم تأكيداً على أهمية العدالة الانتقالية كركيزة أساسية لبناء دولة القانون وضمان حقوق الضحايا وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، كما تمنح الهيئة الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتتمتع بالقدرة على ممارسة مهامها في جميع أنحاء الأراضي السورية.

تُظهر واقعة حلب أن إصلاح القضاء السوري لم يعد خياراً، بل ضرورة وطنية ملحّة، لأن بقاء رموز النظام البائد داخل مفاصل العدالة يُقوّض أي مسار نحو التغيير، وبينما يؤكد الحقوقيون أن العدالة لا يمكن أن تستقيم دون محاسبة من خانها، تتجه الأنظار إلى هيئة العدالة الانتقالية، كاختبار حقيقي لإرادة بناء سوريا على أسس القانون، لا القمع.

آخر الأخبار
"الدالاتي" ينفي مشاركته بأي محادثات تفاوضية مباشرة مع مسؤولين إسرائيليين نسمات من عبق الأدب والانتصار  على مسرح دار الأوبرا  "بيلدكس 2025": إشارات اقتصادية لمرحلة ما بعد العقوبات عبد الحنان : منصة دولية للتعاون الاقتصادي  المواطنة.. قضية فكريّة لجنة لإعادة عمال التجارة الداخلية المنقطعين بسبب ممارسات النظام البائد  ملف التأمين على طاولة " المالية " الشيباني يبحث مع تويتسكه سبل التعاون بين سوريا وألمانيا المعرفة العلميّة... أداة دفاعيّة! الرئيس الشرع من قلعة حلب: من هذه المدينة بدأ النصر ومنها نبدأ معركة البناء وزير الداخلية يبحث مع بيدرسن تعزيز التعاون الإنساني في سوريا "التعليم العالي": 206 معاهد تقانية وتقييم المناهج لمدارس التمريض رويترز: محادثات أمنية مباشرة بين سوريا وإسرائيل لمنع التصعيد الحدودي الرئيس الشرع في قلعة حلب: "حلب مفتاح النصر" محطة مفصلية في مسار سوريا الجديدة حي في "دف الشوك" بلا حاويات قمامة.. واستجابة من مديرية النظافة إزالة التعديات على شبكة المياه في البارك الشرقي بدمشق رؤى تطويرية لرفع كفاءة الكوادر في وزارة الأشغال شراكاتٌ دولية ومباحثات بين الأمم المتحدة وسوريا للنهوض بالتعليم "الأوروبي": تمويل إضافي للمساعدات الإنسانية لسوريا بعد توقف خمس سنوات.. استئناف نقل الحبوب بالخطوط الحديدية "صناعة حلب": مستوردات رديئة تزاحم صناعة الألبسة الوطنية في