الثورة – رولا عيسى:
رائحة العفن الكريهة قبل دخول المكان، أخبرتنا قصة طويلة الأزل مع هدر وفساد أوهن وأتعب مقدرات ملايين السوريين ووضعهم تحت خط الفقر، وحرمهم شراء أبسط أنواع الأغذية.
المكان مستودع المؤسسة السورية للتجارة، والزمان بعد سقوط النظام المخلوع وإداراته الفاسدة طولاً وعرضاً، ضاربين بكل المعايير والمقاييس، قوت وغذاء السوريين.
القوارض شاهد على الفساد
نجد اليوم شاهداً، أو لنقل كارثة في أحد مستودعات السورية للتجارة في الزبلطاني تفوح منها رائحة الجوع والموت الكريه، بعد أن تحولت أغذية السوريين إلى مرتع للجرذان والقوارض تأكلها وتنهش بها قبل أن تصل إلى معدة المواطنين.
يخبرنا معاون مدير المؤسسة السورية للتجارة عمر أسعد قصة هذه الأغذية والمستلزمات المعيشية للأسر السورية من منظفات وغيرها، ويقول في حديثه لصحيفة الثورة: تبدأ القصة عندما تلقينا عدة بلاغات من أمين المستودع عن وجود كميات كبيرة من المواد الغذائية وغيرها موجودة في مستودعين للمؤسسة السورية للتجارة منذ أعوام، وهي غير صالحة للاستهلاك البشري أو حتى الحيواني وتحمل تواريخ بين 2015- 2018 كتواريخ انتهاء للصلاحية، وتم نقلها بعد فسادها إلى تلك المستودعات من دون البت بها.
ويضيف: إن الإدارات السابقة لم تتخذ أي قرار بشأن هذه المواد وتركتها عرضة للجرذان والقوارض، وربما لو اتخذت القرار في الوقت المناسب، لما وصلت هذه السلع والمواد الأساسية إلى ما وصلت إليه وربما على الأقل كانت تحولت إلى علف للحيوانات، وأما اليوم هي غير صالحة لا بشرياً ولا بيئياً.
وبين أسعد أنه فور العلم بهذا المستودع تم تشكيل لجنة مشتركة من المؤسسة السورية للتجارة ومديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وأرسلنا لتعقيم المستودعين قبل الدخول إليهما نظراً للرائحة الكريهة وما تركته من تلوث، والتي تخطت الجدران من شدتها.
وتابع: تقوم اللجنة اليوم بمعاينة المكان والمواد الموجودة، وتبين أنها منتهية المدة منذ العامين 2015- 2018، أي قبل 8- 10 سنوات، وفي وقت كان المواطن يحتاج لهذه المواد الغذائية ولا يجدها بمتناوله وتباع بالقطارة على البطاقة الذكية، هذا إن استطاع المواطن إليها سبيلاً.
لجنة متخصصة
ولفت إلى أن اللجنة استطلعت المستودعين وعملت على إجراء الاختبارات اللازمة لهذه المواد من ناحية الشكل والطعم والرائحة، وستقوم برفع تقريرها إلى وزارة الاقتصاد والصناعة لاتخاذ ما يلزم من الإجراءات القانونية وكذلك للتخلص من هذه المواد بشكل سليم ومن دون أن تتسبب بأذى بيئي أو صحي.
وبين أنه بعد معاينة المواد الموجودة على مساحة 400 متر من المستودع تبين أنها تشمل نوعيات من (الأرز والطون والسردين والمرتديلا والجبن والخل والكونسروة ودبس البندورة ومربيات من أصناف مختلفة ومنظفات وغيرها)، وبعض هذه المواد كان يباع على البطاقة الالكترونية.
ونوه بأن المواد فاسدة ومنتهية الصلاحية منذ عام 2015- 2018 وذات شكل ورائحة كريهة من الخارج والداخل وبعضها لماركات معروفة، وبكميات كبيرة وأغلبها تحولت إلى غذاء للقوارض والجرذان وبكميات هائلة.
أمين مستودع المؤسسة السورية للتجارة منطقة الزبلطاني محمد طه قال: في عام 2018 وصلني أمر شفهي من فرع المؤسسة السورية للتجارة، أن نقوم بسحب مواد قاربت على الانتهاء من حيث مدة الإنتاج وعملنا على سحبها من الصالات ومنافذ البيع والمستودعات، ولدي الوثائق التي تثبت ذلك وعادة أتحفظ على الوثائق الخاصة بتواريخ انتهاء مدة المواد، ومع نهاية كل عام يتم رفع الجرد بالمواد المنتهية الصلاحية، وهنالك تقارير موجودة تثبت ذلك.
ولفت إلى أنه استمر برفع الكتب للتخلص والبت بهذه المواد، لكن عبثاً لم يحصل أي بت بذلك، إلى أن جاء اليوم وتم فتح المستودع وكان المشهد أمامكم، مستودع له أكثر من 7-8 سنوات مغلق تفوح منه الروائح الكريهة.
وعن صلاحية البت، بين أنه كأمين مستودع لا يستطيع البت بالموضوع، لكنه رفع الكتب لأكثر من مرة إلى الإدارات السابقة في المؤسسة السورية للتجارة، مشيراً إلى أن القضية موجودة في ملفات الهيئة العامة للرقابة والتفتيش، وحتى اللحظة لم يتم البت بها، لكن مع تشكيل اللجنة سنضع التقارير بين يديهم.
إنها أحد الحكايا لسلسلة طويلة من الفساد والهدر، غالباً ما كانت تتعلق بقوت المواطن وغذائه، والغريب أن تترك هذه المواد ضمن المستودعات.. والغريب أكثر ما وراء تركها في هذه المستودعات، ولمصلحة من بالتأكيد ليس لصالح المواطن، وعلى الأغلب لمصلحة تجار الأزمات والحروب.
وهنا نستذكر أيضاً ما جاء من مساعدات للمواطنين عند وقوع الزلزال في شباط 2022، حينها أيضاً وضعت المواد الغذائية وغيرها في المستودعات، وكانت عرضة للفساد وانتهاء الصلاحية والسرقة، ولم تصل إلى المواطنين المستحقين.
السؤال: إلى متى سيبقى المواطن ضحية لتجار الحروب والأزمات ينهشون قوت عيشه بكل أشكالها ويحرم من أبسط أشكال غذائه، لتخلف حكايات الفساد والهدر وراءها ملايين المواطنين الفقراء، واقتصاد منهك متدهور.. لا حول له ولا قوة له.