أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي
في خطوة وُصفت بـ”التحولية”، شهدت دمشق توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية بين وزارة الطاقة السورية ومجموعة UCC العالمية، بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، لتدشين مرحلة جديدة من الاستثمار في قطاع الطاقة، وذلك بعد سنوات من التدهور والانهيار شبه الكامل في البنية التحتية للطاقة بفعل الحرب.
يكتسب توقيع المذكرة أهمية خاصة لكونه تم في العاصمة السورية دمشق، وبرعاية مباشرة من الرئيس الشرع، ما يعكس جدية الحكومة الجديدة في وضع ملف الطاقة على رأس أولوياتها، كما أن اختيار مجموعة UCC القطرية – ذات النفوذ الاستثماري الإقليمي – يشير إلى بدء انفتاح اقتصادي مدروس نحو شركاء من دول الجوار والمنطقة، وتوسيع دائرة التعاون الدولي في القطاعات الحيوية.
تتضمن المذكرة استثمارات بقيمة 7 مليارات دولار، تهدف إلى إنشاء وتطوير أربع محطات توليد كهرباء تعمل بتقنية الدورة المركبة في دير الزور ومحردة وزيزون وتريفاوي، بالإضافة إلى محطة طاقة شمسية في وديان الربيع بسعة 1000 ميغاواط. هذه المشاريع، في حال تنفيذها، ستضيف نحو 5000 ميغاواط إلى شبكة الكهرباء السورية، وهي كمية كافية لتغطية احتياجات ملايين السكان وتحسين التغذية الكهربائية في جميع أنحاء البلاد.
وتبرز في الاتفاق مؤشرات على استخدام تقنيات حديثة أمريكية وأوروبية، ما قد يفتح الباب لتحديث شامل في بنية قطاع الطاقة وإدخال معايير تشغيل وصيانة جديدة، في حين يحمل الاتفاق أبعاداً سياسية تتجاوز الطابع الاقتصادي، خاصة أنه جاء بعد قرار رفع العقوبات الأميركية، وبدعم علني من واشنطن والدوحة.
وبالنظر إلى أن الإشارة العلنية من رئيس شركة أورباكون بالشكر للرئيس الشرع وأمير قطر والرئيس ترامب تعكس رغبة الأطراف الدولية الفاعلة في إعادة إدماج سوريا تدريجياً في المحيط الإقليمي ضمن مشاريع إعادة الإعمار، كما أن المذكرة تعبّر عن إعادة الاعتراف الدولي بـ”الدولة السورية الجديدة”، وتضع الطاقة كمدخل عملي لإعادة ترتيب العلاقات مع الخارج، وربما تحفيز استثمارات لاحقة في قطاعات النقل والمياه والصناعة.
من الناحية الاقتصادية، يُتوقع أن يسهم المشروع في خلق آلاف فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وفي تحسين البنية التحتية الداعمة للإنتاج الصناعي والزراعي، كما أن تحسّن وضع الكهرباء سينعكس إيجاباً على حياة المواطنين، وسيساهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي.
أما من الناحية المجتمعية، فإن المشاريع المزمع إنشاؤها في مناطق عانت طويلاً من التهميش مثل دير الزور وريف حماة وحمص، ستمثل فرصة لإعادة الحياة إلى تلك المناطق وتحقيق نوع من التوزيع العادل للتنمية.
مما لاشك فيه أن توقيع مذكرة التفاهم مع مجموعة UCC، يمثل نقطة انطلاق نحو إعادة بناء قطاع الطاقة في سوريا، لكنها تبقى خطوة أولى ضمن طريق طويل وشاق، فنجاح التنفيذ يتطلب تكاملاً بين الرؤية السياسية، والاستقرار الأمني، والتحديث الإداري، وتهيئة مناخ قانوني جاذب، وإذا ما تم تجاوز هذه التحديات، فإن قطاع الطاقة قد يتحول إلى رافعة حقيقية لنهضة سوريا في مرحلة ما بعد الحرب.