يحيى السيد عمر
تمتلك سوريا موارد طبيعية متنوّعة يمكن أن تُشكّل داعماً مُهِمّاً للانتعاش الاقتصادي؛ تشمل النفط والغاز والثروات الزراعية، والسياحة، وتجارة الترانزيت، وهي قطاعات قادرة على توليد الدخل وتشغيل الأيدي العاملة. غير أن جزءًا كبيرًا من هذه الموارد لا يزال خارج سيطرة الدولة، ويخضع لسيطرة ميليشيا “قسد”.
من الناحية الجغرافية، تسيطر “قسد” على ما يقارب 28% من مساحة الدولة، وهي مناطق غنية بالثروات، أما من الناحية الاقتصادية، فتسيطر “قسد” على 90% من إنتاج النفط، و70% من إنتاج القمح، و45% من إنتاج القطن. هذه الأرقام تُظْهِر مدى أهمية هذه المناطق في أيّ خطة تعافٍ اقتصاديّ. عودة هذه الموارد إلى سيطرة الدولة ستُشكّل تحولًا اقتصاديًّا كبيرًا، من خلال استثمارها في تأمين احتياجات السوق المحلي من الوقود، ما يعني توفير الطاقة للمصانع، وزيادة عدد ساعات التغذية الكهربائية، وبالتالي دَعْم عجلة الإنتاج. كما ستُعزّز من الأمن الغذائي من خلال توفير القمح والقطن، ما يُقلّل فاتورة الاستيراد، ويدعم قيمة الليرة.
على المستوى السياسي، حلّ ملف “قسد” يعني سيادة الدولة على كامل الجغرافيا السورية، ويقضي على أيّ مشاريع انفصالية أو فيدرالية تم الترويج لها في السنوات الأخيرة. استعادة السيطرة على الشرق السوري ستكون بمثابة إعلان نهائي لانتهاء مرحلة التفتّت، وعودة الدولة بمؤسساتها وشرعيتها إلى جميع المناطق.
أما على المستوى الاجتماعي، فوحدة الجغرافيا تعني أيضًا وحدة المجتمع، وهو عامل بالِغ الأهمية في جذب الاستثمارات الأجنبية؛ إذ تُفضّل الشركات بشكلٍ عامّ العمل في بيئات مستقرة وآمنة، لا تشهد انقسامًا أو نزاعات أهلية. وهذا يجعل من حلّ قضية “قسد” أمرًا مُهِمًّا في أيّ تصوُّر لمستقبل اقتصادي مستقر.
من المؤشرات الإيجابية في هذا الاتجاه هو التحوُّل الواضح في الموقف الأمريكي، الذي يبدو أنه داعم لاستقرار سوريا ووحدة أراضيها. ويُعزّز هذا التوجُّه لقاء الرئيسين ترامب – الشرع. كما أن تصريحات المبعوث الأمريكي توماس باراك التي أكد فيها دعم واشنطن لوحدة سوريا، ورفضها لتكرار خطأ “سايكس بيكو”، تدل على أن حلّ هذا الملف أصبح قريبًا.
عودة الدولة إلى مناطقها الشرقية لن تُعيد فقط السيطرة على الموارد، بل ستفتح الباب أمام تنمية عادلة ومتوازنة، تعالج التهميش السابق، وتُعيد دَمْج هذه المناطق في المشروع الوطني السوري بشكل فعَّال ومستدام.
باحث في الاقتصاد السياسي