الثورة- منذرعيد:
منذ تسلمها مهامها، تعاملت الإدارة السورية الجديدة مع مطالب أهالي السويداء بروح من الانفتاح والحرص على الحوار، تأكيداً على نهج الدولة في استيعاب التنوع السوري والتفاعل مع هموم الشارع بروح المسؤولية، غير أن التصعيد الأخير في الجنوب يفتح الباب أمام أسئلة مشروعة حول خلفيات المشهد، ومآلاته، وما إذا كانت بعض القوى تسعى لجرّ المحافظة نحو مسارات تتجاوز المطالب المحلية المحقة؟.
على مدى ثمانية أشهر، انتهجت الدولة السورية سياسة التهدئة في السويداء، إدراكاً لخصوصيتها الاجتماعية والدينية، واحتراماً لنسيجها الأهلي المتماسك، ورغم الظروف الأمنية والاقتصادية القاسية التي تعصف بالبلاد، ظلت الدولة حريصة على الحوار، وقد شاركت وفود تمثل النخب السياسية والدينية والثقافية في السويداء بمؤتمرات الحوار الوطني، والتقت غير مرة بالرئيس أحمد الشرع، في إطار جهود متواصلة لضمان حضور صوت الجبل في قلب القرار الوطني.
إلا أن ما نشهده اليوم من تحركات متشنجة ورفض لمبادرات الحوار، يعكس انزياحاً مقلقاً في الخطاب، حيث تتداخل المطالب المحقة مع انفعالات سياسية تخرج أحياناً عن السياق الوطني، وتهدد بفتح الأبواب أمام مشاريع تقسيمية لا تخدم أهل السويداء، ولا تصب في مصلحة وحدة سوريا واستقرارها.
المقلق أيضاً، أن هذا التصعيد يتزامن مع ازدياد التدخل الإسرائيلي السافر بما يجري في الجنوب، بما فيه تواصل إسرائيلي مباشر مع مجموعات محلية، تحت شعارات واهية من قبيل “حماية الأقليات”، وهنا، لا بد من السؤال:
من المستفيد من الدفع نحو القطيعة بين السويداء والدولة؟.
ومن يراهن على تحويل الحراك من مساحة مطالبة سلمية إلى منصة استثمار خارجي؟.
إن ما يحدث في الجبل يجب أن يكون جرس إنذار، فالوطن لا يُختزل في طائفة أو منطقة، ولا يمكن للولاء أن يتوزع بين هوية وطنية جامعة وأطر ضيقة تهتز عند أول منعطف، فالانتماء الحقيقي يُختبر عند الأزمات، وأي انزلاق نحو الهويات الفرعية هو هروب إلى الأمام سيقود إلى اللحظة الخطأ من التاريخ.
وبالرغم من الأحداث المؤلمة التي حصلت في الأيام الأخيرة في السويداء، ما زال الطريق مفتوحاً أمام صوت العقل والحكمة، ودمشق، كما كانت دوماً، تبقى سقف الجميع، مرجعية السوريين على اختلاف أطيافهم، وأي رهان خارج هذا الإطار هو مقامرة لا تخدم إلا أعداء الوطن.
من نافلة القول، إنه من المهم التمييز بين الاعتراض على السياسات والخصومة مع الدولة، فالنقد، بل حتى المعارضة، هما من صميم الحياة السياسية السليمة، خصوصاً في مرحلة انتقالية دقيقة كهذه، ومن الطبيعي أن تُطرح الأسئلة حول أداء الحكومة الجديدة، وبرامجها، وتوجهاتها، لكن الأهم أن يكون ذلك من داخل البيت الوطني، لا من على عتبات الخارج، وأن تُرفع المطالب بلغة العقل، لا عبر شعارات تصب في طاحونة الفوضى والانقسام.