بيئات العمل الخطرة خارج دائرة السلامة المهنية

الثورة – مريم إبراهيم:

يطغى اليوم بوضوح حديث الصحة والسلامة المهنية، ويولى الحديث أهمية أكبر، بالتزامن مع كثير من الحوادث وإصابات العمل في مواقع مختلفة، إذ طالما تتكرر حوادث وإصابات العمل لاسيما المواقع الشاقة والخطرة، مع افتقاد هذه المواقع أدنى معايير السلامة التي من شأنها تأمين بيئات العمل المناسبة والآمنة التي تحمي العاملين من مخاطر العمل ولو بأدنى الحدود.

إذ تشير الإحصاءات العالمية إلى أن أكثر من 2.7 ملايين شخص يفقدون حياتهم سنوياً بسبب حوادث العمل أو الأمراض المهنية، كما تُسجل مئات الملايين من الإصابات غير المميتة التي تؤثر على الصحة والإنتاجية.

الخاسر الأكبر

وفي سوريا وبعد حرب ودمار للبنى التحتية يعكس واقع السلامة والصحة المهنية حالة ترد واضحة، والخاسر الأكبر هم العمال في شتى مجالات العمل، ولاسيما الأعمال الخطرة، وما يهدد العمال فيها من التعرض للإصابة والحوادث المفاجئة نتيجة خلل ما سببه بيئات العمل التي تفتقد السلامة بما في ذلك عمالة القطاع العام أو الخاص.

هذا الواقع الذي لا يمكن تجاهله أبداً حفاظاً على أرواح العاملين وحماية لهم للحفاظ على استمرارية العمل والإنتاجية، يطرح جملة تساؤلات لوضع النقاط على حروف مشكلة تتفاقم إن لم يتم وضع خطط واستراتيجية عمل تؤمن بيئة العمل السليمة والآمنة للجميع.

ويبدو الموضوع ليس بيد جهة معنية واحدة، بل يلامس جميع الجهات ومنشآت العمل والهيئات والنقابات والقطاع الخاص والمجتمع المدني أيضاً، فما هو توصيف الواقع وماهي الخطط، أسئلة طرحتها الثورة على عدد من الجهات بالتزامن مع اليوم العالمي للصحة والسلامة المهنية.

إنذار مبكر

وزارة الكوارث والطوارئ بينت أنها تعمل حالياً لبناء الإطار التنظيمي وسياسات وطنية تضمن استجابة متكاملة وفعالة في مواجهة الكوارث الطبيعية أو البشرية، ووضع معايير السلامة بالتنسيق مع المؤسسات والوزارات، إضافة إلى العمل وفق إحداث نظام وطني للإنذار المبكر، وربطه بغرف العمليات المركزية والمحلية، لتقليص زمن الاستجابة وتحسين القدرة على اتخاذ القرار.

وتسعى الوزارة لإعداد الخطة الوطنية للطوارئ، بالتنسيق مع الوزارات المعنية والمجتمع الأهلي، وإعادة هيكلة المعهد الوطني للزلازل ليصبح المعهد الوطني للطوارئ والكوارث، يعمل على تأهيل كوادر محلية قادرة على التعامل ضمن هذا الإطار، إضافة إلى أنه سيتم إطلاق تطبيق إلكتروني مجيب لنداءات الاستغاثة من السكان، وتحديد مواقع المتضررين وتوجيه الفرق الميدانية بشكل آلي وفوري، مع السعي إلى دمج الذكاء الصناعي والأدوات الرقمية في بيئة العمل، لتحسين السلامة وتقليل المخاطر، وتطبيق إجراءات السلامة، في المنشآت العامة ومشاريع البنية التحتية وتحديث معايير الإخلاء وإدارة مخاطر المواد الخطرة بالتنسيق مع مختلف الجهات التي تعنى بهذا الموضوع.

عام وخاص

ممثل المعهد العربي للسلامة المهنية بدمشق الدكتور محمد إياد الزعيم، أوضح أهمية الموضوع ودراسته بمشاركة الاكاديميين والمختصين لتحقيق متطلبات السلامة، وهي مسؤولية مشتركة، ويدعم المعهد العربي للسلامة كل ما يتعلق بالسلامة والصحة المهنية، وسيتم التنسيق مع وزارة الطوارئ و الكوارث لإعداد خطط ومنهجية واضحة تعمل لتأمين السلامة في قطاعات ومنشآت العمل المختلفة بما فيها العام والخاص.

المهندس وسام زيدان من منظمة الخوذ البيضاء، أوضح أن بيئة العمل في الخوذ البيضاء بيئة محفوفة بالمخاطر في مناطق القصف والاستهداف المباشر، وعند العمل في بيئة خطرة فرق الإنقاذ هي هدف رئيسي للاستهداف، ومراكز الخوذ تعرضت لاستهداف متعمد بموقع العمل تحت انقاض مباني مهدمة وهي مباني أساساً ضعيفة تعرضت لكثير من حالات القصف أيضاً في مجتمع مهجر من البيوت والمدن ومخلفات الحرب أحد التحديات والمخاطر، وكل هذه التحديات والمخاطر اشتدت في سوريا عام 2023 والنتيجة استشهاد 300 عنصر من العاملين في الفرق، وكان لابد من الاستفادة من الدروس، ولابد من خطط سلامة مرنة يمكن أن تطبق على أرض الواقع، والتدريب المستمر على الاستجابة السريعة وتحليل دائم وتقييم المخاطر قبل أي تدخل، والعمل في الخطر لا يعني تجاهل السلامة بل يتوجب مضاعفة التدابير بما يتناسب مع الواقع.

مسؤول التأهيل والتدريب في وزارة الطاقة علي محمد عبيد، لفت إلى أهمية تبادل الخبرات والاطلاع على التجارب بما يخص السلامة المهنية، وفي سوريا يبدو الأمر أكثر أهمية كون البلد مدمر، وسيتم إقلاع عجلة العمل والإعمار، ومهم التركيز على سلامة العمل وفق المعايير الدولية بشأن الصحة المهنية وتقليل نسب الخسائر والضحايا قدر الإمكان، ومهم دور لجان السلامة للعمل بموضوعية والقدرة على التدريب بالحد الأدنى للعاملين في مختلف مجالات العمل، وخاصة في أعمال تتطلب مجهوداً ومشقة وتعرضاً للخطر والإصابات والحوادث جراء قيامهم بواجبهم الوظيفي وتلبية الخدمات المطلوبة مثل عمال

الكهرباء وغيرهم.

الحلقة الأضعف

وإن يكن القطاع العام على بينة من كل الآثار السلبية التي تسببها بيئات العمل غير الآمنة للعاملين، لكن من دون إحداث تطوير لهذه البيئة بالشكل المطلوب، نتيجة ضعف الإمكانيات والبنى التحتية غير المؤهلة، بالمقابل هناك العاملون في منشآت قطاع العمل الخاص والذي يملك الكثير منه الإمكانيات الكبيرة، لكن عماله أيضاً هم خارج معايير السلامة والحماية من مخاطر العمل وتبعياتها.

مدير شركة نيوسيريا المهندس مصعب عمر الطيب أشار لأهمية حضور القطاع الخاص في طرح كل ما يبحث في موضوع السلامة المهنية، فالسلامة العامة ليست مجرد التزام، بل تمثل ركيزة أساسية في الرؤية لتعزيز بيئة عمل آمنة ومستدامة، ومهم أن يولي القطاع الخاص كل الاهتمام لحماية عماله من الحوادث والإصابات، وهذه الحماية كفيلة بزيادة إنتاج العامل ومثابرته لتقديم الأفضل، مع ضرورة نشر مفاهيم الوقاية المطلوبة في العمل، والحذر والحيطة ما أمكن، والتشديد على الالتزام بشروط ومعايير السلامة وحماية العاملين في جميع المنشآت، وهذا بحد ذاته يحقق أكبر قدر من الإنتاج ويحفز العامل ويحميه من المخاطر.

ويبقى الأهم ويبقى الأهم في طرح الموضوع هو مدى جدية الجهات المعنية في تطبيق الرؤى الطموحة لتحقيق السلامة المهنية واقعاً وليس كلاماً، مع الرقابة والمتابعة للالتزام بها في جميع المواقع، وتعزيز مفاهيم ثقافة السلامة المهنية في المناهج الدراسية للمدارس والجامعات، وبناء قدرات المتخصصين فيها، ونشر ثقافة الوقاية، ليس لحماية العاملين فقط، بل للحفاظ على استمرارية الأعمال وتقليل التكاليف الاقتصادية التي تسببها الحوادث في مرحلة الإعمار والبناء.

آخر الأخبار
مشاريع صناعية تركية قيد البحث في مدينة حسياء الصناعية تطوير القطاع السياحي عبر إحياء الخط الحديدي الحجازي محافظ درعا يلتقي أعضاء لجنة الانتخابات الفرعية تجهيز بئر "الصفا" في المسيفرة بدرعا وتشغيله بالطاقة الشمسية توسيع العملية العسكرية في غزة.. إرباكات داخلية أم تصدير أزمات؟. "الذكاء الاصطناعي" .. وجه آخر  من حروب الهيمنة بين الصين و أميركا الجمعية السورية لرعاية السكريين.. خدمات ورعاية.. وأطفال مرضى ينتظرون الكفلاء مدارس الكسوة والمنصورة والمقيليبة بلا مقاعد ومياه وجوه الثورة السورية بين الألم والعطاء يطالبون بتثبيت المفصولين.. معلمو ريف حلب الشمالي يحتجّون على تأخر الرواتب تقصير واضح من البلديات.. أهالٍ من دمشق وريفها: لا صدى لمطالبنا بترحيل منتظم للقمامة ماذا لو أعيد فرض العقوبات الأممية على إيران؟ "زاجل" متوقف إلى زمن آجل..مشكلة النقل يوم الجمعة تُقّيد حركة المواطنين في إدلب وريفها الدولة على شاشة المواطن..هل يمكن أن يرقمن "نيسان 2026" ثقة غائبة؟ تعزيز الشراكة السورية- السعودية في إدارة الكوارث بين الآمال والتحديات.."التربية" بين تثبيت المعلمين وتطوير المناهج "العودة إلى المدرسة".. مبادرة لتخفيف الأعباء ودعم ذوي الطلاب "بصمة فن" في جبلة.. صناعة وبيع الحرف اليدوية إسرائيل تبدأ هجوماً مكثفاً على غزة المشاريع السعودية في سوريا.. من الإغاثة الإنسانية إلى ترسيخ الحضور الإقليمي