الثورة – عبير علي:
بإبداع أصيل، تخوض الفنانة السورية تغريد بلال غمار واحد من أقدم الفنون وأصعبها “الطّرق أو الضغط على النحاس”.. فرغم التحديات الجسدية التي يفرضها التعامل مع معدن صلب كالنحاس الأصفر، خاصة على المرأة، اختارت هذا المسار بإصرار، مدفوعة بشغفها للتعبيرالفني ورغبتها في توثيق التاريخ السوري، مستخدمة لوحات نحاسية كوسيط تعبيري يحمل ملامح حضارة امتدت لآلاف السنين.
وبلغة فنية بصريّة مؤثرة تحضر في أعمالها شخصيات تاريخية خالدة “زنوبيا، جوليا دومنا، سرجون الأكادي”، إلى جانب ملامح أسطورية مثل “فينوس”، ولم تقتصر أعمالها على التاريخ السوري، بل امتدت إلى الفن العالمي، فأنجزت لوحة بعنوان: “على جسر البرتغال”، أضافت من خلالها ملامح من الفن الروسي والفرعوني، إلى جانب بورتريه لوجه جبران خليل جبران، والذي جسدته بأسلوب دقيق يعكس روحه وتعبيره.
تعتمد بلال في تقنياتها على الحفر الغائر والبارز، ما يمنح اللوحات تموجات ضوئية وإحساساً بالحركة والعمق، وهي تستلهم من فن “الرولييف” الجداري، الذي يوازن بين النحت والرسم على سطح معدني، لتبتكر أسلوباً فنياً خاصاً بها يجمع بين التراث والحداثة، وبعيداً عن القوالب الأكاديمية، تعتمد على حسها الفطري، وتخوض كلّ عمل كما لو كان قصة تُروى بالنحاس، لا بالريشة.
وقد نالت عن مجمل أعمالها تكريماً من جمعية المخترعين السوريين، التي منحتها شهادة “مبدعة”، تقديراً لتجربتها الفنية الفريدة.
تغريد بلال ليست مجرد فنانة، بل مؤرخة بصرية، توثق الذاكرة السورية بأدوات الفن، وتحوّل النحاس من مادة صماء إلى صفحات حيّة من التاريخ.