بعد 25 عاماً على وفاة الديكتاتور حافظ … الذاكرة السورية تكتب نهاية “لا أسد للأبد”

أحمد نور الرسلان – كاتب صحفي

قبل أكثر من نصف قرن، صعد حافظ الأسد إلى السلطة بانقلاب عسكري عام 1970، دشن به عهداً من الحكم المطلق، وقاد سوريا بقبضة أمنية فولاذية طيلة ثلاثين عاماً، قبل أن يُدفن في بلدته القرداحة عام 2000، في ضريحٍ شيّده ليكون رمزاً للخلود…

لكن اليوم، وبعد ربع قرن على وفاته، لم يبقَ من ذلك الإرث سوى رماده المتناثر بعد أن حطّمه السوريون المنتصرون، وفتحوا قبره، في مشهد لا يمثل فقط إسقاط ديكتاتور ميت، بل تفكيكاً حقيقياً لصنم الطغيان.

ولد الديكتاتور حافظ الأسد عام 1930 في القرداحة، وتدرّج في سلك القوات الجوية، حتى وصل إلى سدة الحكم بانقلاب عسكري ضمن ما عُرف بـ”الحركة التصحيحية” في 12 مارس/آذار 1971، ليبدأ عهد الحزب الواحد والزعيم الأوحد، الذي سرعان ما هيمن على المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية، وأسس لنظام أمني عائلي طائفي، جعل من الولاء له شرطاً للوجود.

مارس الأسد الأب سياسة الحديد والنار ضد معارضيه، واستبدل الحياة السياسية الحرة بمنظومة شمولية قائمة على الأجهزة الأمنية، التي أصبحت الحاكم الفعلي في البلاد، وأغلق المجال العام، وكمّم الإعلام، وسيطر على القضاء، وقسّم المجتمع إلى موالين وخونة.

بلغ بطش النظام ذروته في مجزرة حماة عام 1982، عندما دخلت قواته المدينة بذريعة محاربة “الإخوان المسلمين”، فحوّلتها إلى محرقة بشرية، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 30 ألف مدني قُتلوا، دُمرت أحياء بالكامل، وأُخفي آلاف في السجون، لم تكن المجزرة مجرد رد على تمرد، بل كانت عقيدة للحكم: اجتثاث كل ما يعارض السلطة.

كما امتدت ممارسات القمع إلى كافة المحافظات، فامتلأت السجون بعشرات الآلاف من المعتقلين، وخُلق رعب مجتمعي ممنهج، حيث كان مجرد انتقاد علني للنظام كافياً ليختفي صاحبه إلى الأبد، واعتمد الأسد على بنية استخباراتية متشعبة، بلغ عدد فروعها أكثر من 15 جهازاً أمنياً، خنقت الحياة العامة والخاصة.

في عام 2000، وبعد وفاة حافظ الأسد، تم تمرير السلطة إلى ابنه بشار عبر تعديل دستوري سريع، في مشهد يُعبر عن طبيعة النظام الوراثي المغلف بجمهورية صورية، وبدا للبعض حينها أن بشار قد يفتح صفحة جديدة، لكن سرعان ما أعاد إنتاج منظومة القمع نفسها، وأضاف إليها دماء الحرب، واختبار الكارثة.

عام 2011، خرج السوريون إلى الشوارع مطالبين بالحرية والكرامة، فواجههم النظام برصاص القنص، والمعتقلات، والبراميل المتفجرة، ومع اتساع رقعة الثورة، سقطت رموز النظام تباعاً، لكن النظام بقي متماسكاً لسنوات عبر تحالفه مع الميليشيات الإيرانية، والدعم الروسي.

إلا أن المشهد انقلب جذرياً في ديسمبر 2024، حين أعلنت قوى الثورة سيطرتها على دمشق، وفرّ بشار الأسد إلى روسيا، لتنطوي صفحة من الاستبداد، ويبدأ السوريون في كتابة فصل جديد من تاريخهم.

لم تكن القرداحة استثناءً، بل كانت شاهداً على لحظة غير مسبوقة حين اُقتحم ضريح حافظ الأسد الذي بناه لنفسه ليكون مزاراً قومياً، قاموا بتفكيكه، ونبش قبره، وأحرقوا تماثيله، وأسقطوا شعاراته، في خطوة تحمل بُعداً رمزياً وسياسياً وأخلاقياً: لا حصانة للجلادين، حتى بعد الموت، ولا أسد للأبد، فلم يكن الهدف الانتقام، بل استعادة العدالة من خلال تفكيك الرمز الذي ظل لعقود فوق المحاسبة، وكانت تلك اللحظة بمثابة إعلان نهائي عن سقوط الدولة الأمنية، وإعادة سوريا إلى أهلها.

اليوم، وبعد كل ما مرّ، يعيد السوريون بناء بلادهم ليس فقط بالإعمار، بل بوعي جمعي جديد يرفض إعادة إنتاج الطغيان، تُكتب مناهج جديدة، ويُسنّ دستور جديد، وتُقام محاكم لمحاسبة المتورطين في الجرائم، وتُستعاد الذاكرة الجماعية التي شوهها النظام لعقود، فحافظ الأسد مات قبل 25 عاماً، لكن نظامه ظل قائماً حتى أسقطه السوريون، والآن، وقد فُتح قبره، تتنفس البلاد أخيراً الحرية التي لطالما حُرمت منها.

آخر الأخبار
تأخير بترحيل النفايات ببعض مناطق دمشق.. " النظافة ": استقدام آليات ومعدات جديدة وزير الأوقاف: نجاح حج 1446 محطة مفصلية لسوريا " النقد الدولي" أول انخراط مباشر .. وخريطة طريق لإصلاح اقتصادي شامل جديد مؤتمر آبل Apple للمطورين العالميين (WWDC 25) كوريلا: سقوط الأسد غيّر معادلات الشرق الأوسط وأضعف إيران السكري والوراثة.. الجينات ترسم البداية لكن القرار بيدك كوري ميلز: أمر تنفيذي مرتقب من ترامب لإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا مبعوث ترامب: واشنطن تخشى اغتيال "الشرع" وتدعو لتأمينه وتوسيع الدعم لحكومته " الثورة " تفتح ملف تفاصيل وخفايا الجدال حول  استثمارات "تعبئة المياه'' الليكو لـ"الثورة": شروط صارم... رفع جودة الخدمات في اللاذقية قبل الموسم السياحي الشيباني يلتقي نظيره الفرنسي في نيس الفرنسية يربط الموانئ البرية والبحرية.. البراد: رفع الطاقة الاستيعابية لـ"معبر نصيب" الصناعيون يطرحون حلولاً إسعافية.. معامل السيراميك بين أزمة الطاقة والتهريب تكاليف الزواج تغتال فرح العرسان  هل يبنى الزواج على الحب..أم على الملاءة المالية ..؟! دراسات لمشاريع تنموية في درعا ضربات جوية تستهدف مناطق بريف إدلب تخلّف قتلى وجرحى كتّاب اللاذقية يطالبون بمشاركة أوسع وتحسين واقعهم المادي السورية للاتصالات: انقطاع الانترنت سببه عطل فني مؤقت تأمين مستلزمات العملية الامتحانية بالتعاون مع "اليونيسيف" الشرطة السياحية.. تعزيز للثقة بين السياح والمجتمع المحلي