الثورة – علا محمد:
تعود الأحاديث حول سلوك المراقبين داخل القاعات الدراسية إلى الواجهة، في كل موسم امتحانات، وتحديداً تلك التصرفات الحادة أو الصارمة، وفيما يراها البعض ضرورية لفرض الانضباط وضمان نزاهة الامتحانات، يرى آخرون أنها تترك آثاراً سلبية على نفسية الطلاب وأدائهم الأكاديمي.
يروي عدد من الطلاب لـ”الثورة” تجاربهم خلال الامتحانات، التي تعكس بشكل واضح أثر سلوك المراقبين على حالتهم النفسية، تقول ليلى العمري وهي طالبة في الصف الثالث الثانوي: “عندما خضت امتحان التعليم الأساسي كنت أشعر بتوتر شديد بسبب صرامة بعض المراقبين، وصرخاتهم المستمرة جعلتني أفقد تركيزي وأشعر بالضغط أكثر مما ينبغي، أحياناً كنت أرتبك من مجرد حركة أو صوت بسيط، ما أثر على قدرتي على الإجابة بشكل صحيح”.
أما عمر القادري، طالب في المرحلة الثانوية، فيتحدث عن مراقب صارم جداً كان يسبب له شعوراً بالخوف والقلق أثناء تقديمه امتحان التعليم الأساسي، ويقول: “كنت أريد فقط أن أكمل الامتحان بهدوء لكن شدته كانت تجعلني أرتعب من أبسط الملاحظات”.
وتضيف سارة مسعود من نفس المرحلة: “شعرت أن بعض المراقبين لا يفهمون حجم الضغط الذي نعيشه، وكان تعاملهم الجاف يجعلني أكره لحظات الامتحان بدلاً من أن أركز على تقديم أفضل ما لدي”. هذه التجارب تبرز مدى تأثير سلوك المراقبين على البيئة الامتحانية، وفي هذا السياق، تتعدد الأسباب والدوافع خلف هذا السلوك، ويتفاوت تأثيره من بيئة إلى أخرى.
بدورهم أهالي الطلاب يعبّرون عن قلقهم من مراقبة الامتحانات وتأثيرها على نفسية أبنائهم، معتبرين أن المراقبة غير المدروسة تثير التوتر، ما قد يؤثر سلباً على أداء الطلاب ويزيد من القلق الذي يعانونه قبل وخلال فترة الامتحان.
وفي تصريح لأحد أولياء الأمور، قال: نخاف أن تتسبب المراقبة المشددة في توتر أبنائنا، ونرغب في أن تكون المراقبة أكثر حكمة ومرونة حتى تساعدهم على أداء الامتحانات بثقة وهدوء.
فيما أكد آخر أن “التوتر الزائد من قبل المراقبين ينعكس سلباً على نفسية الطلاب، ويجب البحث عن طرق تريح الطلاب وتساعدهم على التركيز” آراء متباينة للمعلمين على الجانب الآخر، أبدى المعلمان أحمد سالم، وسعيد عبد الرحمن، رأيين متباينين حول موضوع المراقبة، فقال المعلم سالم: “المراقبة ضرورية لضمان نزاهة الامتحانات، ويجب أن تكون صارمة لمنع أي عملية غش، مع الحفاظ على الاحترام والتعامل الإنساني مع الطلاب”..
في المقابل، ذكر المعلم عبد الرحمن: “يجب أن تكون المراقبة أكثر توازناً، فالتشدد المفرط يخلق جواً من القلق ويؤثر على أداء الطلاب، لذا أرى أن هناك حاجة إلى مراقبة حكيمة تراعي قدرات الطلاب النفسية”.
أما المعلمة مرفت عبد الله فتؤمن أن الحزم والصرامة ضروريان للحفاظ على نزاهة الامتحان وأضافت: “أنا أتصرف بحزم في مراقبة الامتحانات لأنني أريد التأكد من أن الجميع يلتزم بالقوانين ويؤدي الامتحان بأمانة، وأعتقد أن التواجد الصارم يوقف أي محاولة للغش أو التلاعب”، مؤكدة أن العمل بصرامة يجعل الطلاب أكثر التزاماً واحتراماً للنظام، وتعتقد أن هذا يساعد على تنظيم الامتحان بشكل أفضل، رغم أن بعض الطلاب قد يشعرون بالضغط بسبب ذلك. وتختتم قائلة: “لقد رأيت أن بعض الطلاب يحتاجون إلى أن أكون أكثر حزماً، وذلك لضمان سير العملية بشكل سلس ومستقيم”.
ضغوط نفسية ومهنية
الاختصاصية التربوية بيان سرور، أوضحت في لقائها مع الثورة، أن الصرامة المفرطة ليست دائماً مؤشراً على الاحتراف، بل قد تعكس أحياناً نقصاً في الخبرة أو تأثراً بعوامل نفسية وضغوط إدارية، ما يستوجب تدريباً ممنهجاً ومقاربة تربوية أعمق، حيث تشير إلى أن المراقبين قد يقعون تحت ضغوط نفسية ومهنية هائلة أثناء فترة الامتحانات، ما يدفع البعض منهم للتصرف بحدة أو حتى بصراخ داخل القاعات، فمن جهة، يتحمل المراقب مسؤولية كبرى في ضبط النظام ومنع أي شكل من أشكال الغش أو الإخلال بقواعد الامتحان، ومن جهة أخرى، يتعامل مع طلاب يعيشون توتراً شديداً وقد يكونون أنفسهم عرضةً لانفعالات مفاجئة.
وتظهر سرور أن سلوك المراقب غالباً ما يتأثر بعدة عوامل، أبرزها قلة الخبرة في التعامل مع الطلاب، والاعتماد على أساليب سلطوية في الإدارة، وأيضاً تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم في ضمان سير الامتحانات بشكل نزيه، كل هذه الأمور لا تمر بدون أثر، بل قد تخلق جواً من التوتر والقلق داخل القاعة، ما ينعكس سلباً على أداء الطلاب ويقلل من قدرتهم على التركيز والإنتاجية.
تحقيق التوزان
وفي المقابل ترى سرور أن المراقب الناجح هو من يستطيع أن يفرض النظام من دون أن يُرعب، ويزرع الهدوء دون أن يهمل واجباته الرقابية، ويمكن للمراقبين خلق بيئة هادئة ومريحة للطلاب في الامتحانات من خلال تجنب أي حركة أو صوت يمكن أن يشتت انتباه الطلاب، مثل الكلام بصوت عالٍ، أو تحريك الكراسي، أو استخدام الهاتف المحمول ، كما على المراقبين أن يكونوا صبورين وهادئين في التعامل مع الطلاب، وأن يتجنبوا أي تصرفات أو تعليقات يمكن أن تؤدي إلى زيادة توتر الطلاب مع توضيح الإرشادات للطلاب قبل بدء الامتحان، وإعادة التأكيد عليها عند الحاجة.
وتؤكد سرورعلى ضرورة مساعدة المراقبين للطلاب في الوصول بسهولة إلى الأدوات اللازمة، مثل الأوراق والأقلام، وإمدادهم بها ودعم الطلاب في حالة الحاجة لحل أي مشكلة يواجهونها.
ليس المراقب فقط إن توفير بيئة خالية من التوتروالمشتتات لا يعزز فقط التركيز بل يفتح المجال أمام الطلاب لتقديم أفضل ما لديهم، لكن تحسين هذه البيئة، بحسب سرور، ليست مسؤولية المراقب فقط بل تمتد لتشمل المدرسة والمشرف التربوي الذي من خلال تدريبه للمراقبين وإشرافه على آلية الامتحان وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب يوفر بيئة امتحانية متوازنة، كما أن المدرسة تتحمل مسؤولية توفير بيئة مناسبة مريحة للامتحانات فتضمن نظافة ورتابة قاعات الامتحانات، وأن تكون درجة الحرارة مناسبة، والإضاءة كافية، وأن توضح قواعد الامتحانات للطلاب والمراقبين، مع تشجيع الطلاب على التعبير عن قلقهم أو توترهم، وتوفيرالدعم اللازم لهم، كما على المدرسة توعية الطلاب بأهمية الامتحانات، وكيفية التعامل معها بشكل جيد، وتجنب الغش أو أي سلوك غير لائق.
تدريبهم هو الأساس
في هذا الإطار تنصح سرور بضرورة إعداد ورشات عمل مخصصة للمراقبين كوسيلة فعالة لإعدادهم نفسياً وسلوكياً وتوعيتهم بأهمية دورهم كموجهين قبل أن يكونوا مراقبين، وتؤكد أن تدريب المراقبين على مهارات التواصل يجب أن يكون من أولويات المؤسسات التعليمية من خلال تزويدهم باستراتيجيات إدارة الصف بحكمة وتفعيل التواصل الإيجابي بين المراقبين والطلاب بتقديم تغذية راجعة فعالة، بالإضافة إلى الالتزام بالأساليب التربوية السليمة التي تشمل المشاركة في الأنشطة الصفية، واستخدام أساليب التحفيز والتعزيز، مثل المكافآت والمدح، لتعزيز السلوك الإيجابي لدى الطلاب.
ونوهت سرور بضرورة مراعاة الاختلافات الفردية بين الطلاب مع توفيرالفرصة لتعبير الطلاب عن آرائهم، كما ويجب على المراقب اتباع أساليب تربوية فعالة في التعامل مع الطلاب، مثل الحوار والنقاش، ووفق رأيها، يجب على المراقبين أن يتلقوا تدريباً على مهارات الاستماع، والتعاطف، والتعبير عن المشاعر وتطبيقها بفاعلية لإدارة الأزمات.
التربية توجه
الجدير بالذكر أن وزارة التربية والتعليم تستكمل كل الإجراءات اللازمة هذا العام لضمان نجاح العملية الامتحانية، حيث أكد مدير الإشراف التربوي محمد حلاق للثورة، أن وزارة التربية تواصل جهودها في توجيه وتعزيز دورالمراقبين والمديرين في المديريات التعليمية لضمان سير العملية الامتحانية بشكل يسهم في تحقيق العدالة والشفافية، من خلال توفير بيئة آمنة ومريحة للطلاب خلال أداء الامتحانات، وفي هذا الإطار، يُعد دور المندوبين مسؤولية أساسية في الإشراف المباشرعلى الامتحانات، حيث يتوجب عليهم تنفيذ التعليمات بكفاءة عالية، ومعالجة أي مشكلات طارئة أو محتملة لضمان جو امتحاني نزيه يعكس مصلحة الطالب واهتمام العملية التعليمية.
وفي تصريحه، أكد حلاق أن الالتزام والتنسيق المستمر بين جميع الأطراف هو المفتاح لضمان نجاح العملية الامتحانية وتحقيق الأهداف المنشودة.
في النهاية، تبقى بيئة الامتحان مرآة تعكس مدى توازن المنظومة التعليمية، وتظهر إلى أي مدى يمكن للإدارة التربوية أن تخلق أجواء صحية تُحفّز على الإنجاز وتقلل من التوتر، وبين الحزم والرحمة، يجد المراقب الناجح مكانه الحقيقي، ويؤدي دوره بوعي ومسؤولية تليق بأهمية اللحظة التي يعيشها الطالب داخل القاعة.