الثورة – ناديا سعود:
في عالم الطب الحديث، لا تزال الوراثة تلعب دوراً محورياً في تفسير أسباب العديد من الأمراض، ومن أبرزها مرض السكري.. وبينما تبدو الجينات كأحجار أساس تبني مستقبل الصحة، إلا أن نمط الحياة يظل الحاكم الفعلي لمسار هذا المستقبل.
الدكتور بشار الأفندي، يوضح أن الصفات الوراثية تنتقل من الوالدين إلى الأبناء عبر “المورثات”، وهي شفرات دقيقة في الحمض النووي، أي خلل في هذه المورثات يمكن أن يرفع خطر الإصابة بعدد من الأمراض، منها السكري.
فمرض السكري من النوع الأول هو حالة من أمراض المناعة الذاتية، حيث يهاجم الجسم- عن طريق الخطأ – الخلايا المنتجة للأنسولين في البنكرياس، وغالباً ما يظهر هذا النوع فجأة في الطفولة أو سن المراهقة.
ويرى د. الأفندي أن العوامل الوراثية تلعب دوراً مهماً، خصوصاً لدى من لديهم تاريخ عائلي مع النوع الأول أو مع أمراض مناعية أخرى، مثل أمراض الغدد أو الجهاز الهضمي.
ومع أن الأجسام المضادة الخاصة بالسكري تستخدم للكشف المبكر، إلا أن نحو 5-15 بالمئة من المصابين قد لا تظهر لديهم هذه الأجسام.
وقد توصلت الأبحاث إلى وجود ارتباط قوي بين النوع الأول وبعض المناطق الجينية المعروفة باسم HLA، والتي تساهم في زيادة الاستعداد الوراثي، خاصة إذا ترافقت مع محفزات بيئية معينة.
يعد السكري من النوع الثاني الأكثر شيوعاً، حسب د. الأفندي ويصيب البالغين غالباً، إلا أنه لا يستثني الأعمار الأخرى.
كما يجتمع العامل الوراثي مع نمط الحياة في رسم معالم هذا المرض، حيث ترتبط الإصابة به بالسمنة، وارتفاع ضغط الدم، وسجل الإصابة بسكري الحمل.
وتشير الدراسات إلى أن خطر الإصابة يرتفع بنسبة 30 -70 بالمئة في حال وجود تاريخ عائلي، خاصة إذا كان أحد الوالدين مصاباً، إلا أن هذا لا يعني حتمية الإصابة، بل فرصة أكبر تتطلب يقظة صحية واتباع نمط حياة نشط ومتوازن.
ورغم ندرته يقول د. الأفندي ، يعد السكري الشبابي (MODY) حالة وراثية مميزة، تظهر غالباً قبل سن 25 عاماً، وتنتشر في العائلات عبر ثلاثة أجيال أو أكثر، يختلف هذا النوع عن النوعين الأول والثاني، إذ لا يرتبط بالسمنة أو بمقاومة الأنسولين، كما تكون الأجسام المناعية سلبية عادة.
ويشخص هذا النوع عبر اختبار جيني دقيق لتحديد الطفرة المسببة، وهو ما يساعد في تحديد العلاج الأنسب، الذي قد يكون أقراصاً فموية أو الأنسولين، تبعاً لنوع التحور الجيني.
الاحتمالات الوراثية بالأرقام
وحول احتمالية الوراثة يشير د. الأفندي إلى أن النوع الأول: خطر الإصابة به يتراوح بين 2 بالمئة 30 بالمئة إذا كان أحد الوالدين مصاباً.
النوع الثاني: خطر الإصابة يصل إلى 70 بالمئة إذا كان كلا الوالدين مصابين.
السكري الشبابي: احتمال الإصابة يبلغ 50 بالمئة إذا كان أحد الوالدين حاملاً للمورثة المتحوّلة.
خلاصة القول: إن الجينات ترسم البداية… لكن القرار بيدك، بينما تشكّل الوراثة عاملاً لا يمكن تجاهله في الإصابة بمرض السكري، إلا أن نمط الحياة الصحي يظل أداة فعالة للوقاية والتأخير والمراقبة الدورية، التغذية المتوازنة، النشاط البدني، والوعي الصحي، كلها وسائل تمكّن الأشخاص المعرضين وراثياً من الحفاظ على صحتهم، وكسر حلقة انتقال المرض من جيل إلى آخر.