الثورة- منهل إبراهيم:
بعد أشهر معدودات من سقوط النظام المخلوع، وغياب قسري عن الحلبة الدولية، تعود سوريا اليوم للعالم، وتعيش على إيقاع تحولات إيجابية عميقة تتشابك فيها السياسة بالأمن والاقتصاد، في مشهد لا يخلو من التعقيدات والتحديات المستمرة التي تفرضها المستجدات والأحداث، فسوريا جزء من هذا العالم تؤثر وتتأثر به.
وفي وسط الزخم السياسي والأمني، وتبلور سوريا الجديدة تبرز ملامح انتعاش اقتصادي، مع تدفق استثمارات دولية وإعلان مشاريع تنموية كبرى، في ظل رفع العقوبات الدولية وعودة العلاقات الدبلوماسية مع دول عربية وغربية.
ومع ذلك، يبقى المشهد السوري مفتوحاً على احتمالات متعددة، وقد ورثت القيادة السورية الجديدة تركة ثقيلة وتكافح بين ماضٍ مثقلٍ بالسلبيات والدمار على يد النظام المخلوع، ومستقبل لا يزال قيد التشكل، عنوانه الأبرز تجاوز الماضي نحو المستقبل والبناء، والإعمار وتحدي الصعوبات، وإثبات قدرة القيادات الجديدة على الصمود في وجه العواصف المقبلة.
وعلى صعيد العلاقات الخارجية، فبعد سقوط النظام البائد، شهدت سوريا تحولاً جذرياً في علاقاتها الدولية، حيث بدأت مرحلة جديدة من الانفتاح الدبلوماسي والاقتصادي، مدفوعة بتغيرات إقليمية ودولية، وقد أدى انهيار النظام المخلوع إلى تسريع وتيرة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع عدد من الدول، مع تسابق مجموعة من الدول لإعادة فتح سفاراتها في دمشق، وإعلان دعمها للحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
وقد عبرت الزيارات الخارجية للرئيس الشرع عن عودة الحضور السوري الرسمي القوي إقليمياً ودولياً واستعادة الزخم في العلاقات الخارجية. كما استقبلت سوريا مسؤولين من مختلف المستويات، من المنطقة والعالم، في دلالة على استعادة زخم العلاقات الخارجية والدبلوماسية.
وتبعاً لذلك، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 13 مايو/ آيار 2025، خلال كلمته بمنتدى الاستثمار السعودي الأميركي عن رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا -بطلب من ولي العهد السعودي- قائلاً إنهم “تحملوا ما يكفي من الكوارث والحروب والقتل” وأن إدارته على استعداد لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة.
كما أعلن الاتحاد الأوروبي رفع كامل العقوبات عن سوريا في 20 أيار/مايو 2025، وذلك بعدما كانت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، قد أعلنت في 24 فبراير 2025 أن الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات المفروضة على سوريا في بعض القطاعات الرئيسية، مثل الطاقة والنقل والخدمات المصرفية.
ومع التقدم الحاصل على الصعيدين السياسي والأمني، وكذلك على مسار ترتيب العلاقات الخارجية، بدأ الاقتصاد السوري يتنفس الصعداء، رغم التحديات الكبيرة، لا سيما وأن سوريا بحاجة إلى مبالغ تقدر من 400 مليار دولار إلى تريليون دولار في تقديرات مختلفة، كتكلفة لإعادة الإعمار.
وشهدت سوريا خلال الفترة القصيرة الماضية تدفقات استثمارية جديدة، في خطوة تعكس بداية تحركات اقتصادية بعد سنوات من الركود بسبب سياسات النظام البائد العبثية.
وبرزت موانئ سوريا كبوابة رئيسة لهذه التحولات، مع توقيع عدة اتفاقيات ومشاريع استثمارية ضخمة، وأعلنت موانئ دبي العالمية عن توقيع مذكرة تفاهم بقيمة 800 مليون دولار لتطوير ميناء طرطوس، بينما كشفت شركة “CMA CGM” الفرنسية عن استثمار 262 مليون دولار لتحديث ميناء اللاذقية.
وفي قطاع المناطق الحرة، حصلت شركة “Fidi Contracting” الصينية على حق استثمار مساحات تتجاوز مليون متر مربع في حمص وريف دمشق لإنشاء مناطق صناعية وتجارية ضخمة، تخدم السوقين المحلية والإقليمية.
كما تتواصل دراسة مشاريع أخرى، من بينها تعاون استراتيجي محتمل مع الولايات المتحدة الأميركية في قطاع الطاقة. وأظهرت بيانات رسمية تقدم أكثر من 500 شركة بطلبات لفتح فروع لها في سوريا منذ بداية العام.
وفي 29 مايو، وقعت سوريا اتفاقاً بقيمة 7 مليارات دولار مع ائتلاف يضم شركات من قطر والولايات المتحدة وتركيا لإعادة تأهيل شبكة الكهرباء المدمرة.
تأتي هذه التطورات في ظل قرارات رفع العقوبات عن سوريا، وهو ما أعاد البلاد إلى دائرة اهتمام المستثمرين العالميين، ولم يتم الإعلان حتى الآن عن الجدول الزمني لتنفيذ هذه المشاريع، وسط توقعات بأن تشكل خطوة نحو إعادة تأهيل الاقتصاد السوري ودفع عجلة البناء نحو الأمام.
إلى ذلك أكدت العديد من الصحف الغربية والعربية أن سوريا الجديدة تنتهج الطرق الدبلوماسية الصحيحة وتنأى بنفسها عن الصراعات، وتوجه البوصلة والجهود للنهوض الداخلي.
ولا شك أن الحكومة السورية الجديدة واجهت العديد من العقبات والمحطات الصعبة طيلة الأشهر الماضية على كافة الصعد، لكنها تثبت عند كل محطة أنها قادرة على تجاوز الصعوبات والعمل في اتجاه بناء الدولة السورية الجديدة والقوية التي تحتضن جميع أبنائها، وهي ماضية على هذا النحو في الأشهر المقبلة.