الثورة – منذر عيد:
عادة ما تتسبب عملية الشد باتجاه واحد إلى خلخلة الهدف، أو بحدوث انزياحات تؤدي في نتائجها إلى عدم استقرار، حتى في العلاقات بين الدول، عندما تتجه دولة ما إلى كفة دولة أو دول أخرى بعيداً عن علاقات طبيعية مع باقي الدول المحيطة، فإن ذلك سيؤدي بالنتيجة إلى علاقات متوترة مع الأخيرة، ليكون التشبيك مع الجميع، وبناء علاقات واحدة ومتوازنة مع الجميع الحل الأنسب للتجذر في المكان، ولعب دور طبيعي في الجغرافيا التي توجد بها هذه الدولة أو تلك، لتدرك الإدارة الجديدة حقيقة ما سبق، وتبنى لسوريا نهجاً جديداً في العلاقات الدولية على قاعدة الاحترام المتبادل، وبذات المسافة من الجميع، ليمكنها ذلك من أخذ دورها الطبيعي مجدداً في المنطقة والعالم، والدفع بها لأن تكون قوة ناعمة في الخارطة السياسية للمنطقة في المستقبل القريب.
لسنوات طويلة مضت، جعلت سياسة الأحلاف التي انتهجها النظام السابق، والوقوف إلى جانب بعض دول الجوار ضد البعض الآخر، سوريا في حالة من عدم الاستقرار، فكانت حالة من عدم الاستقرار الدائم بين سوريا والعراق حتى 2003، وحالة من المد والجذر مع الأردن ودول الخليج، لتكون تحالفات دمشق الدولية أيضاً سبباً في خلق علاقات دولية غير سليمة حتى 8 كانون الأول الماضي.
سياسة جديدة انتهجتها الإدارة السورية الجديدة بعد 8 كانون الأول، أساسها النأي بالنفس، والتعامل مع الجميع على قاعدة الحياد والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، سياسة ورغم قصر عمرها الزمني، إلا أنها أثبتت فعالية وحضوراً قوياً على أرض الواقع، كان من نتائجها التأسيس لعلاقات قوية مع جميع دول الجوار والعالم العربي والدولي، وهو ما ظهر بسلسلة الزيارة السياسية العربية والدولية إلى دمشق، وتأكيد الجميع على دعم سوريا اقتصادياً، واحترام سيادتها واستقلالها.
عملية التشبيك مع الجميع، أعطت سوريا ثباتاً وقوة جديدتين، وجعلت منها قوة ناعمة في المنطقة، قوة مدعومة بمكان جغرافي يمكنها من لعب أدوار ايجابية في علاقات دول الجوار بعضها بالبعض الآخر، وهو ما أشار إليه الرئيس أحمد الشرع خلال مقابلة مع قناة “ذا ريست إز بولتيكس” البريطانية في شباط الماضي، إلى أن دور سوريا في المنطقة تغير اليوم، فأصبحت دولة جديدة ذات مستقبل واعد بشكل كبير، وستلعب دوراً رئيسياً في استقرار المنطقة من خلال التنمية الاقتصادية، وستكون أيضاً مركزاً رئيسياً في قطاعات مثل الزراعة والصناعة والتجارة، وستزدهر تجارة طريق الحرير بين الشرق والغرب مرة أخرى، ويجب على الغرب إعادة النظر في وجهة نظره تجاه سوريا.
لقد استطاعت سوريا بعد أكثر من ستة أشهر من انطلاقة العهد الجديد كسب ثقة الغالبية العظمى من الدول، بعد أن كانت سابقاً بؤرة سلبية على الصعد الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، كل ذلك يسهل الطريق أمامها لاستعادة موقعها في قلب الجغرافيا والتاريخ والحاضر العربي والعالمي.