الثورة – إخلاص علي:
جاء الإعلان عن تنفيذ “المركزي” لأول عملية تحويل مصرفي دولي مباشر عبر نظام “سويفت” بمثابة إشارة واضحة على أن الصعوبات التي أفرزتها العزلة المصرفية بدأت بالانحسار، وأن سوريا تسير نحو إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي.
إلا أنه وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة لكنها تبقى نقطة بداية وليست نهاية المطاف، والتعافي الاقتصادي الشامل يتطلب إصلاحات أعمق ومعالجة قضايا كثيرة، لعل أهمها نقص العملة الأجنبية والتضخم، فالطريق لايزال طويلاً ويتطلب الكثير من الجهد والتعاون الدولي.
إجراءات مُكمّلة
وفي هذا الإطار يرى الخبير المصرفي الدكتور محمد كوسا أن العودة إلى نظام “سويفت” وإن كانت تحمل في طياتها بصيص أمل للانتعاش الاقتصادي، فإنها تضع المصارف السورية أمام جملة من التحديات الجسيمة التي تتطلب استعداداً كبيراً ونهجاً استراتيجياً مدروساً.
ولعل التحدي الأبرز بحسب كوسا يكمن في استعادة الثقة والمصداقية الدولية التي عانت منها سوريا على مرّ السنين بفعل القيود المفروضة وتصنيفها كبيئة عالية المخاطر.
وعن الإجراءات المتممة التي يجب على المصارف تنفيذها حتى تتمكن من استئناف تعاملاتها بسلاسة مع البنوك العالمية، قال: لا بدّ من تحديث السياسات والإجراءات وتدريب الكوادر، وتطبيق أنظمة رقابة داخلية صارمة تضمن الشفافية وتمنع أي تعاملات مشبوهة، فالبنوك الأجنبية بطبيعتها حذرة للغاية، وقد تتردد في التعامل مع كيانات سورية خشية من مخاطر السمعة أو الوقوع تحت طائلة العقوبات الثانوية، حتى لو تم رفع بعض القيود الرسمية.
عقبات تشغيلية
وحول التحديات الداخلية التي ستواجه المصارف السورية يشير إلى أن هناك عقبات تشغيلية وتقنية ستواجه القطاع المصرفي، الذي يحتاج إلى تحديث شامل لأنظمته التكنولوجية لكي تتوافق مع متطلبات سويفت والخدمات المصرفية الحديثة كتحديث الشبكات، الأنظمة الأساسية، وتأمين البيانات.
علاوة على ذلك، هناك فجوة في الخبرات والكفاءات المصرفية، فكثير من الكوادر المدربة قد غادرت البلاد، وتحتاج المصارف لإعادة بناء قدراتها البشرية وتدريب موظفيها على أحدث الممارسات والمعايير المصرفية الدولية لضمان الامتثال والتشغيل الفعال.
وفيما يخص فتح مكاتب التمثيل للبنوك الأجنبية ينوه كوسا بأنه في سياق إعادة الاندماج المالي، تأتي فكرة مكاتب التمثيل للبنوك الأجنبية كخيار محتمل، فهي بمثابة “نقاط استكشاف” للبنوك الدولية ولا تمارس أي أعمال مصرفية مباشرة – أي أنها لا تقبل الودائع، ولا تمنح القروض، بل تقتصر وظيفتها على الترويج لخدمات البنك الأم، جمع المعلومات عن السوق المحلي، وبناء العلاقات مع العملاء المحتملين والشركاء التجاريين.
ولفت إلى أن فتح مثل هذه المكاتب خطوة أولى حذرة نحو عودة الوجود المصرفي الأجنبي ويترتب عليه عدة أمور من الجانب الإيجابي، حيث تمنح البنوك الأجنبية فرصة لاستكشاف السوق السوري دون التزام كبير برأس المال، ما يقلل من المخاطر الأولية، كما أنها تساهم في بناء جسور التواصل وتسهيل التبادل التجاري والاستثماري بين سوريا والدول الأخرى عبر توفير المعلومات والاتصالات.
ويضيف: بالمقابل هناك تحديات ومحددات عدة تتعلق بالقوانين والاجراءات، فصلاحيات هذه المكاتب مقيدة للغاية، ما يعني أنها لن تساهم بشكل مباشر في دعم الاقتصاد السوري عبر الإقراض أو جذب الودائع.
كما أنها تتطلب الحصول على تراخيص من البنك المركزي السوري والالتزام باللوائح المحلية، على حد قول الخبير المالي والمصرفي.
تحديث القدرات
وأشار كوسا إلى أن موافقة مصرف بريطاني على إجراء هذه المعاملة عبر “سويفت” يشي بوجود قدر من الثقة أو على الأقل استعداد لتخفيف الحذر تجاه التعامل مع المصارف السورية، كما توقع أن تساهم هذه الخطوة في تسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، ما يقلل من التكاليف والمخاطر المرتبطة بالتحويلات غير الرسمية، ويساعد على تدفق البضائع والخدمات بشكل أكثر كفاءة.
أما من حيث الاستثمار، قال: يمكن أن يشجع هذا الانفتاح المالي المحدود المستثمرين على إعادة النظر في السوق السوري، وأن سهولة التحويلات المالية تعد عاملاً حاسماً لأي استثمار أجنبي، معتبراً أن الهدف الآن هو توسيع شبكة البنوك المراسلة لتشمل بنوكاً في دول أخرى، بما في ذلك البنوك الأوروبية والأميركية.
وختم بالقول: بشكل عام فإن عودة المصارف السورية إلى “سويفت” هي لحظة محورية تتطلب نهجاً شاملاً يركز على بناء الثقة، تحديث القدرات، والتعامل بحذر مع البيئة التنظيمية المعقدة، أما مكاتب التمثيل الأجنبية فقد تكون مؤشراً مبكراً للاهتمام الدولي المتزايد، لكن تأثيرها المالي المباشر سيظل محدوداً في المراحل الأولى.