الثورة – هيثم قصيبة:
تراجعت حركة البيع والشراء في سوق الصاغة باللاذقية تراجعاً مدهشاً.. وإزاء هذا الجمود ينتظر تجار الصاغة والحلي والقطع الذهبية زبون الفرج.. ولا أمل يسر الخاطر بقدومه، وتكشفت لنا هذه الحالة المشهودة من خلال تجوالنا في أرجاء السوق وجدية الأحاديث التي دارت مع البعض من الصاغة.
وتوضح جلياً أن السبب الجوهري لتراجع وجمود حركة البيع والشراء يعود إلى ضعف القدرة الشرائية لدى الزبون الذي بالكاد بات قادراً على تأمين احتياجاته المعيشية التي تستنزف دخله بالكامل، إضافة إلى ارتفاع سعر غرام الذهب، وعزوف عدد كبير من الشباب عن الخطوبة والزواج بفعل ضيق الحال وصعوبة المعيشة.
فماذا عن سوق الذهب وتاريخ هذا السوق العريق.. وإلى متى ستستمر موجة الجمود المهيمنة.. وتراجع حركة البيع.. وماهي المطالب المشروعة للصاغة.. ولماذا لا يتم تخفيض الضرائب التي ارتفعت بشكل كبير خلال عهد النظام المخلوع؟
تاريخ السوق
بدأ سوق الصاغة باللاذقية يظهر إلى موقع الفعل والوجود منذ بداية عام 1920- بحسب العديد من الصاغة العتيقين المخضرمين بالسوق، مؤكدين أن عدد المحال لم يكن يتجاوز أصابع اليد الواحدة ثم سرعان ما تزايد إلى أن وصل قبل عدة سنوات إلى 135 صائغاً غالبيتهم من أبناء المحافظة، وتضاعف العدد حالياً بعد قدوم تجار وصاغة وافدين من المحافظات الأخرى، ما جعل السوق يمتد إلى بعض الشوارع المجاورة.
ويشير الصاغة المتمرسون بالمهنة إلى دخول العديد من التجار الجدد المقيمين والوافدين إلى معترك التجارة بالمصوغات والقطع الذهبية وغاية طموحهم تحقيق الأرباح الكبيرة، وهذا ما كان له الدور البارز بعدم استقرار السعر بل وتذبذب عملية البيع.
هيمنة الجمود
وأوضح التاجر مروان دباح عن واقع السوق البيع والشراء، أن حالة السوق وتراجع حركة مهيمنة على قبل سقوط النظام المخلوع، واستمرت بعده ما نتج عنها جموداً مدهشاً وتراجعاً ملموساً في مجمل حركة البيع والشراء.
ويعزو سبب الركود إلى تبخر السيولة من أيدي الناس، ولاسيما أن محافظة اللاذقية محدودة الدخل وغالبية سكانها من العاملين، وهؤلاء لا يملكون القدرة على شراء الذهب واقتنائه وتخزينه لحين الحاجة.
ويضيف: أنتم ترون كيف نجلس وراء مكاتبنا في محالنا ننتظر بفارغ الصبر قدوم الزبون الذي لا يأتي إلا بحالات نادرة، وقد وصلت بنا الحالة في عملية البيع إلى عدم تناسب حركة البيع مع حجم الأموال الضخمة المستثمرة في هذا المجال، خاصة أن المتاجرة بالذهب يحتاج إلى أموال طائلة ومن غير المعقول تجميدها من دون أي مداخيل وعوائد ربحية متناسبة ومتسقة مع الأقنية الموظفة لرساميلنا التي بتنا بأمس الحاجة لها.
التاجر محمد الأحمد، وصف الحركة بالضعيفة جداً لكننا في غاية الارتياح بعد أن تحررت البلد من النظام الظالم الذي كانت أجهزته القمعية تفرض الأتاوات علينا كتجار، ومن لا يستجيب إلى ضغوطهم يتم التنكيل به، مشيراً إلى تزايد عدد الصاغة المتاجرون بالذهب مما يوزع الكتلة الربحية ويقلص الأرباح.
ضرائب جائرة
وحول معاناة الصاغة من ارتفاع الضرائب المفروضة منذ عهد النظام المخلوع، قال الصائغ عبد الرحمن حاج بكري: استبشرنا خيراً بعد التحرير، ونأمل بأن تقوم الجهات الحكومية الجديدة المتمثلة بوزارة المالية بإعادة النظر بالرسوم والضرائب الباهظة والجائرة المفروضة علينا منذ عهد النظام البائد، إذ لا يعقل أن تصل الضريبة السنوية إلى مبالغ خيالية تتجاوز ٣٠ مليون ليرة إضافة إلى رسم الإنفاق الاستهلاكي.
ويكشف عن عدم الإنصاف ما بين محل وآخر وعدم التصنيف العادل، فمن غير المنطقي أن يتساوى محل يعرض أكثر من 30 كيلو غراماً ذهباً على واجهته مع محل آخر لا يعرض أكثر من300 غرام.
وأشار حاج بكري إلى عدم جواز معاملة صاحب المحل والمالك مع الصائغ المستأجر من حيث قيمة الإجار والضرائب الأخرى، منوهاً باستنزاف أرباحهم التي يتم دفعها على استجرار الكهرباء من الأمبيرات، ولاسيما أن ساعات التقنين طويلة وتصل إلى ست ساعات في بعض الأحيان مقابل ساعة وصل واحدة، مستغرباً من استمرار نفس سعر قيمة الأمبير بعد انخفاض سعر المازوت.
مطالب مشروعة
من جهته الصائغ خالد جغليط طالب بتشكيل الجمعية الحرفية لتنظيم العلاقة ما بين دوائر الدولة والجمعية، واستدعاء أي صائغ إلى أي جهة حكومية أمنية أو غير أمنية عبر الجمعية وبشكل رسمي، وزوال الحالات التي سادت أيام النظام البائد باستدعاء الصائغ بهدف الابتزاز وفرض الأتاوات.
وتحدث عن ضرورة تخفيف الضرائب وإعادة تصنيفها والانتهاء من التصنيف العشوائي والمزاجي الذي كانت تتبعه وزارة المالية ومديرياتها ويفرض الضرائب التصاعدية الثقيلة على تجار الصاغة ونهب أرباحهم، وأعطى مثالاً على التصنيف الجائر ارتفعت الضريبة السنوية من 350 ألفاً وبالتصنيف اللاحق إلى ستة ملايين، وحالياً إلى أكثر من 20 إلى 30 مليوناً سنوياً
وفق التصنيف الأخير.
ولفت التاجر خالد إلى استمرار هذا التصنيف الضريبي الجائر الذي فرضه النظام البائد ويأمل أن يتم تخفيف الضرائب من قبل العهد الجديد.
تحكم الصاغة
ومن خلال تجوالنا بالسوق سألنا أحد المواطنين الذي دخل إلى أكثر من محل ذهب وكان يملك قطعة ذهبية وهي أسواره يريد بيعها والمدهش وصوله لقناعة عدم بيع القطعة الذهبية التي بحوزته حيث أكد لنا أن كل صائغ يضع سعر شراء وفق مزاجه ويحتج الجميع بأنهم يقطعون مبالغ عن قيمة أشغال المصوغات الذهبية.
ولدى استفسارنا عن طريقة وعملية الشراء وعدم التقيد بتعرفة وتسعيرة محددة لشراء المصوغات كانت الإجابات غير مقنعة من قبل الصاغة ممن أجابوا أن التاجر يحسب القطعة أثناء الشراء بعد إلغاء رسم الشغل للمصوغات، كما أن التاجر يشتري القطعة وهدفه الربح لأنه يبيعها كذهب مستعمل (كسر) بسعر يحقق له ربحاً، كاشفاً عن عدم وجود تسعيرة موحدة للشراء.
والجدير ذكره أن سوق الذهب باللاذقية يشهد ارتفاعاً بسعر الغرام وصل إلى 930 ألف ليرة للغرام الواحد من عيار 21 قيراطاً، أما الليرة الذهبية ذات ثلاثة أختام وصلت إلى سبعة ملايين و400 ألف ليرة، ويتذبذب وفق سعر الصرف للدولار والسعر العالمي للأونصة.