الثورة – غصون سليمان:
لم يكن يتغيب عن مواعيد عودته المعتادة إلى البيت، ولم يكن يوماً بهذه الحالة من الضيق والعصبية.. فقد خطفته أجواء الوحدة والانطواء والانزواء في أركان غير مألوفة زمانياً ومكانياً بعدما كان يضج بالحيوية والنشاط والألفة الاجتماعية.. فما الذي جرى للشاب أحمد. س- طالب الصف العاشر، والذي جعله ينقلب بهذا الشكل ليصبح في حال غير ما كان عليه، إذ يمضي ساعات طويلة غارقاً في جواله، ولاسيما ليلا، ليقضي النهار بمزاج عصبي- إن لم يكن نائماً غالب الوقت.
هذا التبدل لفت انتباه الأم، لكنها فكرت بقرارة نفسها أن تفك “شيفرة” أحوال ابنها “البكر”، ومع متابعة الأم بدقة لهذه التغيرات الطارئة على ابنها من دون أن يشعر بها أحد، أدركت أن ابنها دخل نفق السوء، من وراء رفقة السوء كما يقال، ومن خلال إدمان الموبايل أيضاً، وعندما شعرت أن لا مجال للنصيحة ولا نفع للمواعظ بعد أن علمت من خلال المتابعة أن حلقات كثيرة مرتبطة مع بعضها البعض وبالتالي باتت القضية تحتاج إلى مؤازة.
أخبرت والدة الشاب أحمد أحد المعنيين بمكافحة تجارة المخدرات من المعارف والأصدقاء، على أن يتم التعاون بشكل سري من خلال مراقبة ابنها من دون إلحاق أي ضرر به، وإنما الغاية الوصول إلى رأس الخيط من البداية إلى النهاية.. وكان لها ما أرادت بعد أشهر من التعب والتفكير بكيفية إنقاذ ابنها من شرك هذه الآفة اللعينة بكل ما للكلمة من معنى.
للوقوف على أبعاد هذه الظاهرة بما ينطوي على المخدرات من مخاطر سلبية على الصحة والمجتمع وتأثير شبكات التواصل على جيل الشباب والمراهقين، توضح المتخصصة بقضايا الشباب الدكتورة رجاء الحسن- جامعة دمشق- في حديث لـ”الثورة” أن ما أظهرته الدراسات من أن الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر بوجه متشابه مع الإدمان على المخدرات، وهي تشبه أمراض أعراض الإدمان السلوكي واضطرابات تعاطي المخدرات.
كما يؤدي الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي إلى العديد من الآثار الضارة بما في ذلك ضعف الأداء في المدرسة، والعمل ومشاعر العزلة والوحدة والصورة السلبية عن الذات وصعوبات النوم والطعام والشراب، وزيادة أعراض الاكتئاب والقلق، وهذا لا يقل خطورة عن الإدمان على المخدرات التي يؤدي إلى النتائج نفسها.
غيرت وجه الحياة
وتؤكد الدكتورة الحسن كيف غيرت شبكات التواصل الاجتماعي وجه الحياة المعاصرة وفتحت آفاقاً جديدة وأحداثاً لتغيرات عميقة في مختلف جوانب الحياة، واخترقت جميع البيوت من دون رقابة من مستخدميها من جميع الفئات العمرية.. فهي أداة فتاكة لاشك وسلاح ذو حدين.
وقالت: فكما أنها وسيله لتعزيز السلوك الايجابي داخل المجتمع، فهي أيضاً أسهمت في مظاهر سلبية تمثلت في قطيعة شبه تامة بصله الرحم، وانتشار الشائعات، وإدراج حالات البذخ والتفاخر بصورة غير محبذة، ناهيك عن الابتزاز والاستغلال الجنسي.
وبينت الباحثة الحسن أنه مما تقدم أصبح هذا الواقع بيئة خصبة للإتجار بالمواد المخدرة وغيرها، من الجرائم والأنشطة غير المشروعة، إذ تكمن الخطورة الحقيقية والتحدي الأكبر الذي يواجه الأسرة والمجتمع في هذا العصر والمتمثل بتساهل بعض الأسر في توفير الهواتف الذكية وتقديمها للأطفال والمراهقين دون توعية، أو رقابه أسرية، ما يوقع الأبناء في كثير من المشكلات التي قد تؤثر على نموه العقلي والنفسي والاجتماعي.
الأكثر استخداماً
وذكرت د. الحسن أنه من أبرز مواقع التواصل الاجتماعي استخداماً من “فيسبوك، تويتر، انستغرام الوتساب، يوتيوب، فإن من بين هذه المواقع يأتي الفيسبوك بالدرجة الأولى الذي يحظى بقاعدة مستخدمين هي الأوسع، ما يعني أن هذه الوسائل سلاح ذو حدين، إما أن يستخدم في نشر الثقافة والقيم الأخلاقية والعلم، أو بات الترويج للمخدرات والفساد الأخلاقي عبر مواقع لا تخضع للرقابة، وبالتالي هناك آثار جانبيه لهذه المواقع منها سهولة التواصل مع الناس، وسرعة الحصول على المعلومات، واكتساب الخبرات، وتكوين الصداقات، وخيارات التعلم عن بعد.
فيما الآثار السلبية تكمن بعدة مسارات، أولها التفكك الأسري الذي يؤثر على العلاقات الاجتماعية ويضعفها نتيجة الإدمان على برامج التواصل الصماء، ناهيك عن التباعد العاطفي الذي يوسع الفجوة بين الآباء والأبناء فكل منهما مشغول ببرامجه الخاصة وبعلاقات وهمية ما يؤدي إلى هوة كبيرة تدفع الأبناء إلى البحث عن مؤثرات تعوضهم الحرمان العاطفي، ما يدفعهم إلى الارتماء في أحضان المجرمين ومروجي المخدرات والمنحرفين نتيجة لغياب الرعاية والاهتمام من الوالدين، إذ لم يعد ترويج المخدرات مقتصراً على الوسائل التقليدية، بل أصبح لمواقع التواصل الالكتروني أحد أهم قنوات الترويج لهذه الآفة، خاصة بين أوساط المراهقين والشباب لتصبح التحديات أكبر في المجتمعات من دون استثناء.
البيئة المناسبة
ونوهت د. الحسن بأن وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر البيئة المناسبة لتحرك بعض المافيات المنتفعة لتحقيق الأرباح الطائلة غير المشروعة، وتعد شريحة الشباب والمراهقين من أكثر الشرائح العمرية استهدافاً من قبل المروجين وتجار المخدرات، نظراً لسهولة استدراج هذه الفئة لتجريب المواد المخدرة بدعوة المتعة، أو المقاومة للسهر وعلاج الأرق، والحصول على جسم مثالي، وغيرها من الدعايات التي يطلقها هؤلاء المروجون.