صياغة جديدة لقانون جديد للخدمة المدنية ..  خطوة مهمة  لإصلاح وظيفي جذري أكثر شفافية

الثورة – هنادة سمير:

بدأت الحكومة السورية أولى خطواتها التشريعية لإعادة بناء الوظيفة العامة من الجذور، فقد أصدرت وزارة التنمية الإدارية القرار رقم (302) لعام 2025، معلنة تشكيل لجنة متخصصة لصياغة قانون جديد للخدمة المدنية، يمثّل محاولة لإصلاح المنظومة الوظيفية وتأسيس بيئة عمل أكثر كفاءة وعدالة في مؤسسات الدولة.


قانون جديد لمرحلة ما بعد الحرب

يأتي القرار في وقت تحاول فيه الدولة إعادة بناء مؤسساتها بعد سنوات من النزيف الإداري، والتضخم الوظيفي، وتراجع الأداء العام- وبحسب بيان الوزارة، فإن مشروع القانون الجديد “يسعى إلى تعزيز مبادئ الجدارة وتكافؤ الفرص، ومواكبة متطلبات التحول المؤسسي بما ينسجم مع تطلعات الدولة لبناء إدارة عامة رشيدة وكفوءة”.
وقد أُوكلت إلى اللجنة التي تضم نخبة من ممثلي الوزارات والجهات العامة، إلى جانب خبراء في الموارد البشرية والتشريعات الإدارية مهمة مراجعة المسودة الأولية التي أعدتها فرق العمل الفنية في الوزارة خلال الأشهر الماضية، وصياغة النسخة النهائية من مشروع القانون خلال 45 يوماً.
ومن المتوقع أن تعقد اللجنة أولى جلساتها خلال الأسبوع الجاري، ما يضعها أمام سباق مع الزمن، وسط توقعات بإطلاق حوارات مكثفة وجلسات عمل متخصصة حسب بيان الوزارة.
وتأمل الجهات المعنية اليوم أن يكون القانون الجديد خطوة نوعية نحو تحديث القطاع العام، بحيث يتم تجاوز اختلالات الماضي، وتُستعاد ثقة المواطن بمؤسسات الدولة.

القانون 50 وضعف الأداء العام

تشير تقارير  إلى أن القوانين السائدة في سوريا تسببت في ضعف الأداء العام، ففي تقرير لمركز أبحاث COAR لعام 2020 المختص بتحليل الاقتصاد السوري والمؤسسات والحوكمة ذكر أن “القوانين وفرت حماية مفرطة للموظفين، مما خلق بيئة إدارية غير محفزة.” بينما أكدت المبادرة العربية للإصلاح أن “المركزية الشديدة وغياب صلاحيات للمؤسسات تسبب في ضعف الأداء العام”، أما STJ، فركزت على “فجوة العدالة في الأجور والامتيازات بين القطاعات المختلفة داخل الدولة”.
و وفقاً لما بينته التقارير فإن القانون رقم 50 لعام 2004 بني على منطق الاستقرار الوظيفي أكثر من الانتاجية، فكان مرتبطاً بالأقدمية من دون معايير أداء واضحة.
فالقانون جعل من الصعب فصل الموظفين غير المنتجين، ما أدى إلى ضعف الأداء وتراجع الحوافز، وبالرغم من توفير الأمان الوظيفي إلا أن الأمن تحول الى عائق أمام التنقل الوظيفي والتحفيز الذاتي، كما لم يستجب القانون بفاعلية لمتطلبات التطوير والتدريب أو لمواجهة التحول الرقمي في القطاع العام أدى إلى فجوة مهارات كبيرة على مستوى المؤسسات.. ماذا يعني استبدال القانون رقم 50 لعام 2004؟
بحاجة لمراجعة شاملة
وفي حديث خاص لـ”الثورة ” بين خبير الادارة العامة أحمد المصري أن القانون رقم 50 يعد أحد أكثر القوانين تأثيراً في حياة الموظفين العموميين في سوريا، وقد وُضع في عام 2004 ليحل محل تشريعات سابقة كانت تحكم أوضاع العاملين في الدولة وتم الترويج له آنذاك لخطوة إصلاحية تنقل الجهاز الحكومي من مرحلة “الوظيفة مدى الحياة” إلى منظومة “الوظيفة الإنتاجية”.
وأضاف: “لكن وبعد مرور أكثر من 20 عاماً، تزايدت الانتقادات لهذا القانون من حيث تعقيد إجراءاته، وغياب العدالة الوظيفية، وتضخم الجهاز الإداري، وفقدان الصلة مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها البلاد خصوصاً بعد الحرب”.
ورأى أن القانون 50 “عانى من الجمود والبيروقراطية، وكان بحاجة ماسة الى مراجعة شاملة منذ ما قبل الحرب لكن ما حصل من انهيار إداري وتضخم في التوظيف العشوائي خلال السنوات السابقة زاد من تعقيد الواقع ، وجعل من مهمة إصلاح قانون الخدمة المدنية مهمة مضاعفة”.

نجاح مشروط

وأشار المصري إلى أن نجاح اللجنة في صياغة قانون عصري مرهون بثلاثة شروط: أولها: أن يستند إلى معايير الجدارة والكفاءة لا الولاءات وثانياً: أن يمنح مرونة في التطبيق داخل مؤسسات متهالكة تحتاج إلى انعاش، وثالثاً: أن يضمن حقوق الموظف ويوفر له الحماية الاجتماعية لا أن يتحول إلى أداة للضغط أو التسريح المقنّع”.
واعتبر أن الرهان الحقيقي ليس في إصدار القانون الجديد، إنما في الارادة الحقيقية في التطبيق، فالقانون الجديد سيتطلب لاحقاً سلسلة من الأنظمة التنفيذية وتعديلات في قوانين أخرى مرتبطة به مثل (قانون التنظيم المؤسساتي والتأمينات وغيرها)، كما أن نجاح القانون مرهون بقبول العاملين به وبوجود إرادة سياسية لتفعيل مبدأ الجدارة وقطع الطريق على المحسوبيات في التوظيف والترقية.

تفاؤل وتحفظ

رغم الترحيب بتغيير القوانين التي تتسم بكثير من السلبيات إلا أن المخاوف بين الموظفين لا تزال حاضرة من أن تتحول عملية الإصلاح إلى عبء جديد، ما لم تُنفذ بنزاهة وعدالة.
تقول رزان سليمان- موظفة منذ 12 عاماً: نأمل أن يحل القانون الجديد مشاكل الترفيع وأن يربط الحوافز بالأداء الحقيقي.

ويقول زياد شعيب: نأمل من القانون الجديد أن يضع صيغة مناسبة لمنح جميع العاملين فرص متساوية في الحصول على التدريب والتقدم في حياتهم المهنية دون تدخل للوساطات والمحسوبيات.

قانون واحد.. ومرحلة فاصلة

بغض النظر عن الصيغة النهائية التي ستخرج بها اللجنة خلال الأسابيع المقبلة، فإن هذا المشروع يُعد من أهم المشاريع الإدارية المطروحة منذ بداية الحرب، كونه يمس مباشرة مئات آلاف الموظفين، ويؤسس لعلاقة جديدة بين المواطن والدولة من بوابة الخدمة العامة.
وفي حال وُفق المشروع في استيعاب الدروس الماضية، ووُضع في سياق إصلاحات مؤسسية شاملة، فإنه قد يمثل خطوة أولى على طريق بناء جهاز إداري أكثر كفاءة وشفافية ومرونة، وهو ما تحتاجه سوريا اليوم أكثر من أي وقت مضى.

آخر الأخبار
صندوق التنمية.. أفق جديد لبناء الإنسان والمكان "صندوق التنمية السوري"..  أمل يتجدد المجتمع المحلي في ازرع يقدم  350 مليون ليرة  لـ "أبشري حوران" صندوق التنمية يوحد المشاريع الصغيرة والكبيرة في ختام المعرض.. أجنحة توثق المشاركة وفرص عمل للشباب مدينة ألعاب الأطفال.. جو مفعم بالسعادة والرضا في المعرض في "دمشق الدولي".. منصات مجتمعية تنير التنمية وتمكن المجتمع كيف يستخدم شي جين بينغ العرض العسكري لتعزيز موقع الصين ؟ من بوابة السيطرة على البحار.. تركيا تصنّع حاملة طائرات تتجاوز "شارل ديغول" التداول المزدوج للعملة.. فرصة لإعادة الثقة أم بوابة للمضاربات؟! مواطنون من ريف دمشق: صندوق التنمية سيكون سيادياً سورياً الوزراء العرب في القاهرة: فلسطين أولاً.. واستقرار سوريا ضرورة استراتيجية عربية أهالٍ من درعا: إطلاق "صندوق التنمية السوري"  فرصة لإعادة الإعمار "صندوق التنمية السوري".. خطوة نحو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الأمم المتحدة تؤكد أن لا حل في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية "التقانة الحيوية".. من المختبر إلى الحياة في "دمشق الدولي" تقنية سورية تفضح ما لا يُرى في الغذاء والدواء انعكاس إلغاء قانون قيصر على التحولات السياسية والحقائق على الأرض في سوريا حاكم "المركزي": دعم صندوق التنمية السوري معرض دمشق الدولي.. آفاق جديدة للمصدّرين