مع عودة “سويفت” لسوريا.. هل يتم الوصول للخدمات المالية الدولية بسهولة وشفافية؟

الثورة- ترجمة ختام أحمد:

لكي يحصل على بضع مئات من الدولارات من أقاربه في الخارج، كان على محمد شاهين أن يتفادى مراقبة الدولة ويعتمد على وسطاء غامضين، وكان يعمل مثل الهارب تقريباً.

“كنت أستخدم كلمات مرور سرية لتحديد هوية حامل الأموال على الطريق، الذي كان يسلمني النقود ويختفي في غضون ثوان”، كما يقول محمد، الذي يعيش الآن في جرمانا، إحدى ضواحي دمشق، حيث استقر بعد نزوحه من درعا.

لأكثر من عقد من الزمان، كان هذا واقع ملايين السوريين الذين يعيشون في ظل النظام المخلوع، فقد أدت أعباء الحرب والانهيار الاقتصادي والعقوبات الغربية المفروضة بعد حملة القمع العنيفة التي شنتها الدولة على المعارضة عام ٢٠١١ إلى قطع علاقات سوريا بالنظام المالي العالمي، بما في ذلك نظام سويفت، ما أدى إلى قطع القنوات الرسمية للتحويلات المالية الدولية.

وفي مكانها، ظهرت أنظمة غير رسمية كخطوط حياة حيوية، ما يسمح للسوريين في الخارج بإرسال الأموال إلى وطنهم من خلال شبكات من الوسطاء، لكن هذه الحلول البديلة كانت لها تكلفتها، فالنظام، في ظلّ حاجته الماسة للعملة الصعبة، فرض تحويلات مالية عبر قنوات خاضعة لسيطرة الدولة، وفرض أسعار صرف رسمية أقل بكثير من السوق السوداء، ما أدى إلى استنزاف جزء كبير من القيمة واستخدامها لدعم احتياطياته.

الآن، بعد الإطاحة ببشار الأسد في كانون الأول، بدأت سوريا عملية إعادة اندماجها البطيئة في النظام المصرفي العالمي، وتستعد دمشق للانضمام مجدداً إلى جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (SWIFT)، وهي خطوة قد تُنهي سنوات من العزلة المالية لملايين السوريين.

وفي لحظة فارقة في شهر حزيران الماضي، أعلن رئيس البنك المركزي السوري عبد القادر الحصرية أن البلاد استكملت أول تحويل مصرفي دولي مباشر عبر نظام سويفت منذ اندلاع الحرب، ما يشير إلى المزيد من الخطوات في لمستقبل.

بالنسبة لمن اعتمدوا على السوق السوداء، تُتيح عودة سويفت مساراً محتملاً نحو الاستقرار الاقتصادي، إلا أنها تُثير أيضاً تساؤلات مُلحة حول الشفافية، والامتثال التنظيمي، ومدى استعداد المؤسسات المالية في البلاد للوفاء بالمعايير العالمية، مع أنها لا تنقل الأموال بنفسها، تُعدّ شبكة سويفت العمود الفقري للتمويل الدولي، ويُعتبر استبعادها شكلاً من أشكال الحجر الاقتصادي.

عندما طُردت سوريا من النظام قبل أكثر من عقد، أصبحت معزولة فعلياً عن الخدمات المصرفية العالمية، وقد أحدثت هذه العزلة موجة من الصدمة في كل مستويات الاقتصاد السوري، وفي حين واجه العمال مثل محمد عقبات في الحصول على مبالغ متواضعة، واجه التجار والصناعيون الذين يتنقلون بملايين الدولارات عقبات أكثر صعوبة.

وأوضح عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق عدنان الحافي أن التعاملات التجارية في ظل سياسات العقوبات التي فرضها الأسد كانت خاضعة لسيطرة خانقة، وقال الحافي لصحيفة “العربي الجديد “: “كانت سوريا دولة بوليسية”، مشيراً إلى أن تحويلات العملات الأجنبية لم تكن مسموحة إلا من خلال منصة معتمدة من الحكومة تسمى منصة تمويل الصادرات، وهو نظام منظم بشكل صارم تديره مجموعة قليلة من شركات الصرافة المحلية.

ووفقاً للحافي، كانت هذه الشركات، وأبرزها الفاضل والفؤاد والمتحدة والهرم، تتحكم في الوصول إلى العملات الأجنبية، وكان التجار يُطلب منهم إيداع ما يعادل قيمة وارداتهم بالعملة المحلية، والانتظار أحياناً لأشهر، حتى يُعطي البنك المركزي الأولوية لطلبهم ويُصدر لهم دولارات أو يورو لإتمام المعاملة، وغالباً ما كانت تُصرف المدفوعات في دول مثل مصر وتركيا والأردن والإمارات العربية المتحدة.

عملياً، كان هذا يعني أن على الشركات السورية الدفع مُسبقاً بالعملة الصعبة مباشرةً للموردين في الخارج، ريثما يطبق النظام المُعقّد، كما أوضح.

وأضاف: “كان الأمر أشبه بدفع ثمن نفس البضاعة مرتين”، لذلك سعى العديد من المستثمرين إلى حلول بديلة، فحصل بعضهم على إقامة في الإمارات العربية المتحدة أو مصر المجاورتين لتسهيل معاملاتهم التجارية، بينما استعان آخرون بوسطاء غير رسميين، صرّافين يعملون في دول مجاورة، ليعملوا كبنوك غير رسمية.

لكن هذه البدائل تحمل “مخاطر جدية”، كما قال فواز العقاد، عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ورجل صناعة بارز: الآن، بعد 14 عاماً من “الفوضى المالية”، كما وصفها، يتجدد التفاؤل، حيث يتوقع التجار وصولاً أسهل وأكثر أماناً وشفافية للخدمات المالية الدولية، مع عودة دمشق إلى نظام سويفت، موضحاً أن المصدرين سيكونون قادرين على تلقي المدفوعات مباشرة في حسابات مصرفية محلية، كما سيتمكن المستوردون من تحويل الأموال من البنوك السورية إلى الموردين الأجانب دون اللجوء إلى النقد المهرب أو الوسطاء الخطرين.

ووصف زياد عربش، الخبير الاقتصادي والأكاديمي، النظام المصرفي في عهد الأسد بأنه نظام كانت السيطرة فيه، وليس التجارة، هي الأهم، ” فقد كانت الحكومة السابقة، بأوامر مباشرة من رأس النظام، تشرف على كل تدفق للعملة الأجنبية داخل البلاد وخارجها، لم يكن أحد يستطيع الوصول إلى العملة الصعبة إلا عبر البنك المركزي، ولاحقاً عبر نظام “المنصة”، وقد مكنت هذه الهياكل ليس فقط من استيراد السلع المحظورة، ولكن أيضاً، في بعض الحالات، الصادرات المشكوك فيها، بما في ذلك تجارة الكبتاغون غير المشروعة التي ازدهرت تحت ضباب الحرب.

وقال عربش عقب اجتماع رفيع المستوى بين البنوك التجارية السورية والأميركية: “نتوقع أن نجري أول معاملة لنا مع بنك أميركي في الأسابيع المقبلة”، ولكن ليس الجميع مقتنعين بأن النظام المصرفي السوري قادر على القيام بهذه المهمة.

وحذر الخبير المالي والمصرفي علي محمد من أن إعادة الاتصال بشبكة سويفت ليست بالأمر السهل مثل الضغط على مفتاح، وأضاف أن “البنوك السورية تحتاج إلى بنية تحتية قوية”، مشيراً إلى الحاجة إلى كهرباء مستمرة، وإنترنت موثوق، وقوى عاملة مدربة وفقاً للمعايير العالمية، ولعلّ الأهم من ذلك هو تأكيد ضرورة استيفاء المصارف السورية لالتزاماتها المتعلقة بالشفافية ومكافحة غسل الأموال التي يفرضها نظام سويفت، ويشمل ذلك الالتزام الصارم بلوائح منع تمويل الإرهاب، وهي مجالاتٌ خضعت فيها سوريا لتدقيق دولي.

وأشار إلى وحدة الاستخبارات المالية في مصرف سورية المركزي، التي تنفذ الالتزام بمكافحة غسل الأموال، بموجب القرار رقم 19 لعام 2019، قائلاً: إنه “بينما تدعي البنوك السورية اتباع هذه القواعد، فإن استعادة الثقة الدولية ستكون طريقاً طويلاً”.وأعرب عربش عن هذا القلق، في حديثه لصحيفة “العربي الجديد”، وأضاف أن “الانضمام مجدداً إلى سويفت ليس مجرد عملية فنية لإصدار رموز البنوك، بل هو اختبار للشفافية والنزاهة”، وأوضح: “لا ينبغي استخدام أي بنك لتمويل الإرهاب أو تجارة المخدرات”، كما أقر بأن البنية التحتية المصرفية في سوريا لا تزال قديمة، على الرغم من أن هناك عمليات ترقيات جارية، وأن أسرع طريقة للمضي قدماً هي “تبني أنظمة مصرفية جاهزة من أوروبا أو أي مكان آخر”.

وتوقع عربش إعادة تنشيط اتصال سوريا بنظام سويفت بالكامل بحلول نهاية آب، وهو الجدول الزمني الذي إذا تم الالتزام به، فسوف يمثل “انعكاساً تاريخياً للعزلة المالية”. وأضاف أن “قدرة النظام المالي السوري على تلبية المعايير العالية التي يفرضها المجتمع المصرفي العالمي تظل أمرا غير مؤكد”.. ولكن “للمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمان، يبدو أن البلاد تتجه ببطء نحو النور”.

المصدر: The NewArab

آخر الأخبار
صيانة عدد من آبار المياه بالقنيطرة  تركيا تشارك في إخماد حرائق ريف اللاذقية بطائرات وآليات   حفريات خطرة في مداخل سوق هال طفس  عون ينفي عبور مجموعات مسلّحة من سوريا ويؤكد التنسيق مع دمشق  طلاب التاسع يخوضون امتحان اللغة الفرنسية دون تعقيد أو غموض  إدلب على خارطة السياحة مجدداً.. تاريخ عريق وطبيعة تأسر الأنظار سلل غذائية للأسر العائدة والأكثر حاجة في حلب  سوريا تفتح أبوابها للاستثمار.. انطلاقة اقتصادية جديدة بدفع عربي ودولي  قوات الأمن والدفاع المدني بوجٍه نيران الغابات في قسطل معاف  قضية دولية تلاحق المخلوع بشار الأسد.. النيابة الفرنسية تطالب بتثبيت مذكرة توقيفه  بعد حسم خيارها نحو تعزيز دوره ... هل سيشهد الإنتاج المحلي ثورة حقيقية ..؟  صرف الرواتب الصيفية شهرياً وزيادات مالية تشمل المعلمين في حلب  استجابة لما نشرته"الثورة "  كهرباء سلمية تزور الرهجان  نهج استباقي.. اتجاه كلي نحو  الإنتاج وابتعاد كلي عن الاقتراض الخارجي  الهوية البصرية الجديدة لسوريا .. رمز للانطلاق نحو مستقبل جديد؟ تفعيل مستشفى الأورام في حلب بالتعاون مع تركيا المؤتمر الطبي الدولي لـ"سامز" ينطلق في دمشق غصم تطلق حملة نظافة عامة مبادرة أهلية لحفر بئر لمياه الشرب في معرية بدرعا السيطرة  على حريق ضخم في شارع ابن الرشد بحماة