الثورة – جاك وهبه:
في وقت تتفاقم فيه الضغوط المعيشية على المواطن السوري، ويعاني من تدهور مزمن في خدمات النقل العام، شكّلت السيارة- ولو مستعملة- حلماً مشروعاً لآلاف السوريين الباحثين عن وسيلة نقل تخفف عنهم مشاق الحياة اليومية.
لكن هذا الحلم بات مهدداً بالزوال مع صدور قرار وزارة الاقتصاد والصناعة القاضي بإيقاف استيراد السيارات المستعملة اعتباراً من تاريخ صدوره، مع استثناء بعض الحالات المحددة ضمن نصّه، كما شمل القرار منع استيراد السيارات الجديدة التي يزيد عمرها عن سنتين، باستثناء سنة الصنع، ما يعني فعلياً قصرالاستيراد على السيارات الحديثة جداً فقط.
القرار، الذي جاء من دون تمهيد أو إعلان مسبق، أثار موجة واسعة من الجدل في الأوساط الاقتصادية والشعبية، وفتح الباب أمام تساؤلات كثيرة حول تداعياته على السوق السورية، خاصة في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة وتدني القدرة الشرائية للمواطنين، وغياب حلول فعّالة لمشكلة النقل العامة.
ما بين الحلم والكابوس
في هذا السياق، يبين الخبير في الشؤون الاقتصادية فاخر قربي، في تصريح خاص لصحيفة الثورة، أن قرار وقف استيراد السيارات في سوريا جعل امتلاك السيارة ما بين الحلم والكابوس، إذ شكّل هذا القرار نوعاً من انعدام الأمل لدى أصحاب الدخل المحدود في امتلاك أقل حلم يحلم به، وهو “السيارة”.
ويضيف قربي: إن توقيت القرار جاء في وقت شهدت فيه البلاد خلال الأشهرالماضية غرقاً بالسيارات المستوردة، ما تسبب بحالة شبه إشباع وركود واضح في حركة البيع، ودفع بعض التجار إلى عرض سياراتهم بوسائل تسويقية لا تكاد ترتقي لمهنة تجارة السيارات.
وتابع: “في ظلّ هذا الركود وصدور القرار، فإننا على أبواب مرحلة جديدة من إعادة تسعير السيارات بحجة تقلص الخيارات المتاحة، الأمر الذي يُنذر بمزيد من الجمود في السوق، ويهدد بخلق فجوة جديدة بين القدرة الشرائية للمواطنين والأسعار المتصاعدة للسيارات، خاصة مع احتكارفئة محددة من التجارلمخزونات ضخمة من السيارات المستوردة سابقاً”.
شبهة فساد
وأشارقربي إلى أن القرارفتح باب الثراء لبعض كبار التجارالذين استوردوا كميات كبيرة من السيارات قبل صدوره، من دون الإعلان عن مهلة زمنية تسمح بتكيّف السوق، معتبراً أن ذلك أثار شبهة فساد لصالح جهات محددة، خصوصاً في ظل غياب الشفافية. وأكد أن القرار جاء مجحفاً بحقّ شريحة واسعة من السوريين، ممن كانوا يأملون بامتلاك سيارة مستعملة تغنيهم عن صعوبات النقل العامة، مضيفاً: “حصر الاستيراد بالسيارات الجديدة فقط، وبشروط صارمة لا تسمح إلا بدخول موديلات حديثة جداً، جعل امتلاك سيارة حلماً بعيد المنال لذوي الدخل المحدود، وأبقى خيارالشراء مقتصراً على الأثرياء.
” كما أوضح قربي أن القرارتجاهل الواقع المزري لأسطول السيارات القديمة المنتشر في البلاد، والذي يضم مركبات يعود تاريخ صنع الكثير منها إلى ما قبل العام 2000، دون طرح أي برامج استبدال مدعومة أو إعفاءات جمركية، وهو ما يزيد من الأعباء المعيشية ويهدد السلامة البيئية والمرورية على حد سواء.
استنزاف للعملة الصعبة
وحذر قربي من أن يؤدي القرار إلى نشاط غير شرعي في تهريب السيارات عبر المنافذ الحدودية، أو إلى نشوء سوق سوداء تتحكم بها شبكات موازية بعيداً عن أي رقابة رسمية، في ظلّ غياب البدائل الميسّرة وتشديد الضوابط الرسمية.
وقال: “هذا الواقع قد يزيد من الفوضى الاقتصادية، ويُفاقم معاناة المواطنين، ويؤدي إلى حالة استنزاف للقطع الأجنبي تعيد الاقتصاد السوري إلى غرفة العناية المركزة”.
كما لفت إلى أن غياب أي تدخل رقابي فاعل في السوق قد يسمح بظهور ممارسات احتكارية تضرّ بالمستهلك، وتُفقد السوق أي مبدأ للعدالة والشفافية في التسعير، محذراً من أن المواطنين هم من سيدفعون الثمن الأكبر في حال تُرك السوق لآلية العرض والطلب غير المتوازنة.
دعوات لإعادة النظر
في ختام تصريحه، دعا الخبير في الشؤون الاقتصادية فاخرقربي الجهات الرسمية إلى إعادة النظر في القرار أو تعديله، بما يراعي الواقع المعيشي والاقتصادي للسوريين، من خلال طرح خيارات واقعية بديلة، مثل السماح باستيراد السيارات المستعملة ضمن ضوابط فنية واضحة، أو إطلاق برنامج وطني لتجديد السيارات القديمة يشمل حوافز جمركية أو قروضاً مدعومة.
كما شدد على أن إصلاح سوق السيارات لا يجب أن يكون بإجراءات مفاجئة تُربك السوق والمواطنين، بل من خلال سياسات متدرجة وعادلة تضمن حق المواطن في امتلاك وسيلة نقل، وتحمي في الوقت نفسه الاقتصاد الوطني من الفوضى والاحتكار والاستنزاف.