الثورة – جهاد اصطيف:
ككل عام، ومع انطلاق الامتحانات العامة في سوريا، تعود مجددا ظاهرة انقطاع الانترنت والاتصالات خلال ساعات الصباح، كإجراء تتبعه وزارة التربية والتعليم بالتنسيق مع وزارة الاتصالات لمنع تسريب الأسئلة والغش الامتحاني، في قرار يثير سنويا جدلا واسعا بين من يراه ضروريا لحماية نزاهة الامتحانات، وآخرين يعتبرونه ” عقابا رقميا جماعيا”.
إجراء موسمي يثير الجدل
ما اعتاد عليه السوريون، لم يعد مجرد حدث طارئ، بل تقليدا موسميا، يحرم المواطنين من أحد أهم الخدمات الحيوية في القرن الحادي والعشرين، ورغم أن وزارة التربية والتعليم تؤكد أن هذا الإجراء هو ” ضرورة “، يرى كثيرون أنه أشبه بـ ” العقاب الجماعي”، لكونه لا يميز بين طالب غشاش وآخر ملتزم، ولا بين مواطن يؤدي عمله الكترونيا وآخر يعتمد على التطبيقات الذكية في كسب رزقه .
مواطنون : الإجراء يربك أعمالنا
صحيفة ” الثورة ” التقت مجموعة من المواطنين وأصحاب المهن، حيث عبر بعضهم عن تفهمهم لهذا الإجراء على اعتباره وسيلة لحماية نزاهة الامتحانات ومنع التسريبات، في حين أكد آخرون أن قطع الانترنت يشكل عبئا على حياتهم اليومية، ويؤثر سلبا على أعمالهم، وخاصة تلك المرتبطة بالخدمات الالكترونية .
آراء من الميدان
هاشم محمد، يعمل في شركة خدمات يقول : إن معظم الطلبات التي ترد عبر التطبيق الذكي تصل في ساعات الصباح من الزبائن، ومع انقطاع الشبكة، تتوقف الخدمة تماما، مضيفا : ممكن أن نفقد ثقة الزبائن ونخسر الكثير من الطلبات أو حجز مواعيد لحفل ما أو مشابه يوميا .
بينما عبر أحمد عبد العزيز، يعمل في مجال المطبوعات وتركيب اللوحات الإعلانية، عن استيائه من هذا الإجراء، مشيرا إلى أن خسائرهم تتضاعف حين يتزامن انقطاع الانترنت مع انقطاع الكهرباء، مؤكدا أن ” القطيعة التكنولوجية ” باتت تربك أعمالهم وتعطل طباعة التصاميم التي تعتمد على هذه الخدمة أو الرسائل الفورية .
حلول تقنية بديلة قيد النقاش
بدوره، يرى المهندس أحمد اصطيفي أن بالإمكان البحث عن حلول تقنية بديلة أكثر ذكاء وفعالية، كاستخدام شبكات محلية معزولة مخصصة فقط لمراكز الامتحانات، أو تفعيل أدوات الذكاء الاصطناعي لمراقبة سلوك الطلاب أثناء الامتحان، مع تعزيز أنظمة التعرف على الوجه والكاميرات الذكية، كما دعا إلى تعزيز الوعي بقيم النزاهة، وتوفير بيئة امتحانية سليمة دون اللجوء إلى تعطيل البنية التحتية الرقمية للبلاد، مع زيادة الوعي بأهمية النزاهة في الامتحانات من خلال توعية واسعة، وتوفير بيئة مناسبة وهادئة للطلبة، مما يقلل الحاجة إلى قطع الانترنت والاتصالات .
رأي مسؤول
بالطبع لا يمكننا أن نغفل هنا عن تأكيد المعنيين في وزارة التربية والتعليم مرارا أن هذا القرار يتم بالتنسيق مع وزارة الاتصالات، وهو مؤقت وضروري لضمان الشفافية وتكافؤ الفرص، و أن الوزارة تدرس سنويا تقييم هذه الإجراءات والبحث في تقنيات حديثة للحد من الغش دون التأثير الكبير على حياة المواطنين .
ما بين صمت الانترنت وصوت القلق .. لحظة امتحان
ورغم كل ما سبق، تبقى اللحظة الامتحانية لحظة إنسانية بامتياز، فهناك أم تدعو، وأب يتأمل في خطوات ابنه بثيابه المرتبة، وشباب يتبادلون الأمل والقلق .. وتبقى الأسئلة لا تتعلق فقط بالرياضيات والفيزياء، بل أيضا بحجم الثقة المفقودة، والقدرة على إيجاد حلول لا تطفئ الضوء الرقمي عن وطن بأكمله .
وبينما تعود الشبكة بعد انتهاء كل جلسة امتحانية، تبقى التساؤلات مطروحة : هل يمكن حماية نزاهة الامتحانات دون الإضرار بالبنية الرقمية للمجتمع .. أم أن الحل ما زال رهنا بإصلاح أعمق في آليات التقييم والثقة بالمنظومة التعليمية ؟.