الثورة – مريم إبراهيم:
إن الحديث في موضوع الاستثمارات وجذبها، والتي تبدو اليوم عناوين أحاديث الجهات المعنية والمجتمعية وأصحاب رؤوس الأموال، والمستثمرين في الخارج ممن عيونهم ترقب أن تكون سوريا وجهتهم المهمة والقبلة الأولى للاستثمار في مجالات وتخصصات استثمارية مختلفة.
وتثار أسئلة كثيرة ومتشعبة، وتطرح مخاوف حول البيئة المناسبة وكيف يمكن أن تكون جاذبة لأكبر كم ونوع من الاستثمارات التي تلبي الحاجة وتوجه في مكان وتخصص الاستثمار وفق سياسات وأولويات تتعلق بهذا الأمر.
فالأمل اليوم أن تشهد سوريا في الفترة القادمة أفضل الحالات لواقع استثماري من شأنه أن ينهض بكامل البنى التحتية والخدمية، فهناك الكثير من الكفاءات والخبرات وأصحاب الأموال والمستثمرين في الداخل والخارج ينتظرون الولوج في هذا السوق بمناخ سوري مناسب.
مستثمرون سياح
أستاذ الاقتصاد- رئيس هيئة تخطيط الدولة سابقاً الدكتور تيسير الرداوي بين في لقاء لـ”الثورة” أننا اليوم بأمس الحاجة لجذب الاستثمارات، فالاستثمار موضوع معقد ليس بهذه السهولة، وهناك من يعتقد أن مجرد عقد مؤتمر ودعوة المستثمرين وتلبية الدعوة هذا هو الاستثمار، لكن ذلك لن يكون الحل فهؤلاء جاءوا ليكونوا مستثمرين سياحاً، والمستثمر الحقيقي صاحب رأس المال يتأنى ويحسبها ألف مرة حتى يأتي ويشارك بالاستثمار وأول شيء يجب أن يطمئنه أنه قادم إلى بيئة آمنة أمنيا، أي لا يأتي إلا عندما يتأكد أن الوضع الأمني ممتاز والدولة لا يوجد فيها اضطرابات، ويجب أن يضمن أن هذا الاستثمار محمي و يطمئن على رأس المال وحماية الملكية الفردية، وهذه لا يطمئن عليها إلا إذا كان المواطنين أنفسهم يتمتعون بهذه الحماية أي هو لا يريد حماية لنفسه فقط بل يريد حماية أيضاً للمواطنين حتى يتأكد أن الحماية حقيقية.
حرية مستثمر
ولفت الدكتور الرداوي إلى ضرورة أن يمتلك المستثمر الحرية في إخراج الأموال وإدخالها، أي عندما يحقق أرباحا يجب أن يتأكد أنه بإمكانه أن يأخذ هذه الأرباح، ومن ناحية ثانية المستثمر لا يهمه إن كان هناك ضرائب أم لا فمن خلال التجربة والعمل كمستثمرين نرى أن المستثمرين يأتون بغض النظر عن الضريبة أم لا شريطة أن يكون فيه أرباح، بمعنى أنه يأتي للربح وهو مستعد أن يدفع جزء من هذا الربح ولا يأتي فقط لمجرد أن يكون معفي من الضرائب فيهمه الأرباح في النهاية.
وبالنسبة المستثمر (ابن البلد) يرى الدكتور الرداوي أنه حتى الآن لا يوجد استثمارات حقيقية داخلية لأبناء البلد الموجودين في العالم، فهم كثر أغنياء ويملكون رؤوس أموال طائلة، ويملكون تخصصات يحتاجها البلد وهؤلاء يحتاجون أن يكونوا مطمئنين عندما يأتون للبلد يعني مطمئنين في وضع مستقر ثابت وأمنيا مناسب، ومطمئنين إذا أرادوا أن يضعوا استثماراتهم أن يربحوا منها، فمثلا إذا أراد طبيب أن يبني مستشفى لا يقوم بهذا العمل إذا لم يتأكد أن المستشفى محمية كملكية وكقوانين.
أولويات
وحول أولويات مجالات وتخصصات الاستثمارات أوضح الدكتور الرداوي أن ذلك من مهمة الدولة ومن سياساتها، ومن المهم أن تضع أولويات في دراسات الجدوى المطروحة للمستثمرين لأن المستثمر وخاصة اذا كان أجنبي لا يعرف ما هو الاستثمار المطلوب، والدولة هي التي توضح ذلك، ونطمح كدولة جديدة اليوم أن نستخدم أعلى ما يمكن في التكنولوجيا، ويجب السعي اليوم لتشجع الشركات الأجنبية ذات المستوى التكنولوجي العالي للمشاركة مع مواطنين.
ويقول الرداوي: أنا مع أن يتشارك المستثمرين المحليين أو الأجانب مع شركات أجنبية تقنية عندها فهم كامل للصناعة التي تقوم بها، كما هو النموذج الذي اعتمدته سنغافورة، ومهم للمستثمرين أن يأخذوا بعين الاعتبار أصحاب اختصاص في كل صناعة، واليوم تتضح أهمية الاستثمار في مجال الكهرباء.
وأكد الرداوي: لو كنت أنا مكان القائمين على العمل لشاركت أمهات شركات الكهرباء العالمية، فالوضع يتطلب أن نأتي بأخر ما توصل إليه العلم بالنسبة لمولدات الكهرباء وأن لا نأتي بمولدات كالتي كانت منذ 20 عاماً، فاليوم هناك تطور جديد في قطاع الطاقة وفيه اكتشافات هائلة في قطاع الطاقة وفي موضوع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فمثلاً هناك أبحاث حول استخدامات الغاز وتحويله إلى أعلاف للحيوانات، ويوجد شركات أجنبية تعمل بذلك، فالغاز هو مادة عضوية وهذا ما يحدث في ألمانيا، وهناك منازل في الصين والهند تستخدم النفايات من أجل توليد الكهرباء.
ضمانات
وأكد الدكتور الرداوي على أهمية دور الحكومة في التدخل في السياسات، فهو ضد تدخل الحكومة في الإنتاج أو في الاستهلاك أو الأسعار، والحكومة مهمتها أن تراقب و واجبها تساعد على التطور التكنولوجي وواجب الحكومة أن يكون دورها أقوى وتعمل على أن تطمئن المستثمرين بتأمين البيئة الاقتصادية والسياسية المناسبة والآمنة، فالمستثمر يحتاج لضمانات في الاستثمار وهذه الضمانات منها حماية الملكية والأمن والنظام المالي.
شركات
الخبير الاقتصادي عامر ديب بين لـ”الثورة” أنه لا يكاد يمر يوم في سوريا إلا ونُفاجأ بخبر ارتفاع عدد الشركات المسجلة، وكأن ذلك مؤشر على تعافي الاقتصاد أو نموه، لكن دعونا نكون واقعيين فتسجيل شركة لا يعني إطلاق نشاط فعلي، ولا يعكس وجود خطة إنتاج، أو حتى نية استثمار حقيقي.
والحقيقة أن الشركات تُصنَّف (فردية، مساهمة، محدودة المسؤولية…)، لكن الأهم هو هل بدأت هذه الشركات بالإنتاج فعلاً وهل وضعت خطة توسع حقيقية؟، ففي تركيا، مثلاً حصل مئات السوريين على سجل تجاري فقط بهدف الإقامة أو الاستفادة من الحوافز، دون وجود نشاط فعلي، أما في الداخل فالمشكلة الأعمق تكمن في عقليات أصحاب الشركات، وخاصة الفردية منها، وغالبية هذه المشاريع تُدار بعقلية عشوائية، وتهرب من أي نظام إداري أو تخطيطي حديث، وتفتقر لرؤية اقتصادية واضحة و بعضهم يرى في الشركة مجرد واجهة اجتماعية أو باب للتسهيلات، لا مشروع إنتاج فعلي، والاكتفاء بهذه الأخبار لترويج إنجازات إعلامية وهمية يُسيء لرؤية الدولة الاقتصادية، ويُضلل المستثمرين والمجتمع، وحين نملك قاعدة بيانات حقيقية عن عدد الشركات المنتجة، والمشاريع المنفذة، ونسب النجاح والاستدامة يمكننا الحديث عن مؤشرات حقيقية.