الثورة- ترجمة هبه علي:
قد تكون سوريا أخطر مكان على وجه الأرض حالياً من حيث ضحايا القنابل غير المنفجرة والألغام الأرضية، وفقاً للمنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة، ووفقاً لمرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية، أصبح التلوث بالمتفجرات الآن “حرجاً” في جميع أنحاء البلاد، والوضع يزداد سوءاً، ويصف دارين كورماك، الرئيس التنفيذي للمجموعة الاستشارية للألغام (MAG)، الوضع بأنه “حالة طوارئ إنسانية”.
عززت أنباء رفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن سوريا آمال عودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد، وفي الأشهر القليلة الأولى من عام 2025، أفادت التقارير بعودة أكثر من مليون نازح سوري داخلياً و400 ألف نازح دولي إلى ديارهم، التي تضرر بعضها بشدة جراء الحرب الأهلية في البلاد. لكن أكثر من 14 عاماً من القتال، قد خلفت ندوبا عميقة في البلاد، فالمباني تحمل ذكريات قاتمة عن الانفجارات وطلقات الرصاص، بينما يتحمل المدنيون العبء النفسي والجسدي للنزاع والفقد. واليوم، بينما يتطلع السوريون ببطء نحو إعادة بناء حياتهم، بعد سبعة أشهر من انتهاء القتال، تعوق الذخائر الفتاكة المزروعة في الأراضي والطرق والمنازل السورية جهود التعافي.
وتشمل هذه الآثار عدداً لا يحصى من القذائف التي لم تنفجر خلال سنوات الصراع المرير بين قوات الأسد وحلفائها وفصائل المعارضة، والألغام الأرضية المضادة للأفراد والدبابات التي خلفتها القوات الحكومية على طول خطوط المواجهة المتغيرة، والعبوات الناسفة المرتجلة المزروعة عمدا لإحداث أقصى قدر من الدمار، كما أن تاريخ سوريا مع الأسلحة الكيميائية يزيد من المخاطر، حيث تشكل بقايا أسلحة مثل الفوسفور الأبيض خطراً مميتاً على السكان المدنيين.
من محافظة الحسكة الشرقية إلى المناطق الجنوبية المحيطة بالعاصمة دمشق، تسجل المستشفيات في جميع أنحاء سوريا الآن زيادة مقلقة في عدد الضحايا الذين يعانون من إصابات ناجمة عن المتفجرات.
وأفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بأن مخلفات الحرب من المتفجرات تسببت في إصابة ما لا يقل عن 748 شخصاً في سوريا منذ كانون الأول 2024، ومع ذلك، تخشى المنظمات أن يكون هذا العدد أعلى بكثير، نظرا لنقص البيانات الدقيقة حول أزمة الذخائر غير المنفجرة في سوريا.
وصرح محمد حسين العثمان، رئيس قسم التمريض العام في مستشفى إدلب الجراحي، لصحيفة “نيو لاينز” بأنه استقبل 350 مصابا بذخائر غير منفجرة، بينهم 55 طفلاً و80 امرأة، منذ كانون الأول 2024 في منشآته وحدها.وقال ويل إدموند، رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في سوريا، إن غرفة طوارئ واحدة في مستشفى دير الزور تستقبل مريضاً واحداً على الأقل مصاباً بذخائر غير منفجرة يوميا، وإن 45% من الحالات التي وثقتها المنظمة منذ بدء عملها هناك كانت من الأطفال، محذراً: “مع عودة المزيد من الناس، سنشهد بالتأكيد المزيد من هذه الحوادث.. وهنا يأتي دور المنظمات الدولية.
يعتمد الكثير من عمليات إزالة الألغام في سوريا على جهود عدد قليل من هذه المنظمات، مثل المجموعة الاستشارية للألغام (MAG)، التي تعمل في المنطقة منذ عام 2016، وهي المجموعة الوحيدة لإزالة الألغام العاملة في شمال شرق سوريا، وتوظف المجموعة، ومقرها المملكة المتحدة، 226 مزيل ألغام سوريا ضمن فريقها المكون من 240 فرداً، ينتمون إلى مختلف مناحي الحياة- من معلمين سابقين إلى مهندسين.
وتقول المجموعة الاستشارية للألغام: إنها ساعدت في تطهير ما يقرب من 59 مليون ياردة مربعة من الأراضي في سوريا، والتي استخدمها المجتمع منذ ذلك الحين للزراعة، والوصول إلى الموارد الطبيعية، والخدمات السكنية والمجتمعية، بما في ذلك مدرسة كانت ملوثة سابقا بعبوات ناسفة من تنظيم داعش في الحسكة، ويدرس فيها الآن 700 طالب محلي.
ويظل التمويل الدولي أيضاً جزءاً ضئيلاً مما هو مطلوب لمواجهة الأزمة: إذ تقدر مجموعة “ماج” أن هناك حاجة إلى 25 مليون دولار على الأقل من التمويل السنوي لمواصلة الجهود ذات المغزى في جميع أنحاء سوريا، ومع ذلك اتخذت العديد من الدول الغربية خطوات كبيرة في خفض مساهماتها في المساعدات الخارجية لتعزيز ميزانياتها العسكرية بدلا من ذلك.
ومع ذلك، فإن الجمع بين جلسات التوعية وإزالة الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة يمكن أن يحدث فرقا، لاسيما في المجتمعات التي تعاني من وطأة التلوث.
المصدر- New Lines Magazine