الثورة – مريم إبراهيم:
من ترقب إلى آخر.. هذا هو حال طلبة شهادة التعليم الأساسي، فمن انتهاء امتحاناتهم وما رافقها من خوف وقلق وتوتر، إلى حالة ترقب إعلان النتائج، إلى ترقب آخر وهو معدلات القبول في الأول الثانوي للتعليم العام والمهني، وهذا الترقب يبدو الأكثر أهمية ولا تقل أهميته حتى عن الامتحانات بحد ذاتها.
فالقبول في التعليم العام يشغل بال كثيرين ممن ينجحون، ولا يحققون درجات عليا، وما يرافق ذلك من توقعات بشأن زيادة الدرجات أو انخفاضها في ضوء نسب القبول المعتمدة للتعليمين العام والمهني.
هاجس الهروب
ومع كل دورة امتحانية يبقى هاجس الهروب من التعليم المهني سمة عامة لطلاب كثر، إذ لم تلحظ بعد النتائج المرجوة والأهداف الكبيرة التي تم تحديدها من إحداث هذا التعليم منذ سنوات طويلة، حتى مع الأهمية التي تعلق على هكذا تعليم مهم باختصاصاته المختلفة، ويحظى بالمزيد من الاهتمام والمتابعة والاستثمار المجدي فيه في دول كثيرة.
إلا أن النظرة السلبية لهذا التعليم قائمة، لجهة أنه لا يحقق أي جدوى أو غاية فيها الفائدة التي ينشدها الطلاب الطامحون لمستقبل علمي ومراحل تعليمية عليا لاحقة أخرى.
استفسارات
بالمقابل تطرح اليوم أسئلة واستفسارات عدة بشأن ما يخص القبول في التعليمين العام والمهني، فهل ستبقى الدرجات هي المعيار الذي يحدد الجهة، أم إن هناك تعليمات جديدة، إضافة لأهمية أخذ موضوع التعليم المهني بعين الاعتبار للنهوض به والوصول لشكل آخر، يعكس تميزاً أكبر وفائدة أكثر جدوى، وفي إحداث الاختصاصات المهمة في مجالاته، والتي من شأنها أن تلبي متطلبات سوق العمل، مع التدريب والتأهيل وتطوير جميع جوانبه ليكون تعليماً جاذباً ومنافساً لكل تعليم.
توجيه الأنظار
ويؤكد الخبراء والمختصون ضرورة توجيه الأنظار لهذا التعليم وأهميته في المرحلة الحالية التي تحتاج الكثير لدفع عجلة البناء والتنمية، وتلبية متطلبات سوق العمل.
رئيس مجلس النهضة السوري عامر ديب بيَّن لصحيفة الثورة أن التعليم المهني مهم جداً وضروري التركيز عليه أكثر من الأكاديمي، فنمو سوق العمل يحتاج لمهنيين أكثر، ومناهج التعليم اليوم جامدة غير مرنة، أما المهني قادر على أن يرفد السوق ويكتسب الخبرة وهو مرن أيضاً، والتعليم التقليدي يأخذ سنوات، وفي سوق العمل اليوم بعد التهجير ونقص الكوادر والشباب، أصبح البحث عن بدائل تعليمية لرفد السوق بشكل كبير هو الحل ليشكل عملية نمو اقتصادي، وهذا يتحقق بالتعليم والدبلومات العلمية المهنية، وحتى جامعة دمشق كان هناك مخطط لعمل برامج زمالة مع برامج الدبلومات لاكتساب الخبرات، ونتيجة الحرب هناك شباب ليس لديهم شهادات عليا، والنظام الجامعي اليوم يجب أن يكون مرن وفق خطين الأول يقبل التعليم المهني والحاصلين على الدبلومات ويكمل برامج اختصاص بالجامعة اقتصادية ومحاسبة وإدارة ومجتمع، وفيه معاهد عليا يجب العمل عليها، فهناك حاجة للحلول السريعة لرفد السوق بالعمالة، ومهم تأهيل الثانويات العامة والتعليم المهني العالي الذي هو دبلومات وبرامج زمالة وماجستيرات وتفعيلها لرفد سوق العمل، وهذا النموذج مطبق في أميركا وألمانيا وغيرها، فاليوم الاعتماد على أصحاب الخبرات المهنية أكثر من الأكاديمية، وحتى الشركات تبحث عن مهنيين لتلبية حاجة وظائفها.
رافعة اقتصاد
خبير الإدارة علي إسماعيل أوضح أن التعليم المهني في سوريا رافعة الاقتصاد الوطني في مرحلة ما بعد الحرب، فبعد أكثر من عقد ونصف من الحرب التي أنهكت البنية التحتية والمؤسسات، ومع انتصار الثورة السورية وبداية مرحلة إعادة الإعمار، تواجه البلاد تحديات جسيمة لإعادة بناء اقتصادها ومجتمعها على أسس جديدة، وقد اتجهت الحكومة الانتقالية إلى تبني اقتصاد السوق الحر، ما يفرض واقعاً جديداً يتطلب تسخير الإمكانيات البشرية بشكل فعال، وإعادة توجيه الطاقات الوطنية، ولاسيما في مجال التعليم المهني، ليكون محركاً أساسياً في إعادة بناء الدولة السورية الحديثة.
ميول وتوجيه
ويقول إسماعيل: إن التعليم الثانوي يجب ألا يعتمد على الدرجات ويجب الاعتماد على المقابلات وميول الطلاب وتوجيههم بما تحتاجه الدولة، وفي التعليم المتوسط مهم اعتماد نظام استيعاب مبني على دراسة مسبقة وتحديد احتياج لسوق العمل فلا نقف عند حد تحصيل الدرجات وإنما الغاية تنمية قطاع معين، وربط التعليم بالتدريب داخل المعامل بشكل عملي، وهذا متبع في ألمانيا، يمكن الاستفادة من تجارب عدة دولة والقياس عليها، مثل راوندا، وماليزيا، وحتى سنغافورة التي تتخذها الدولة نموذجاً للعمل، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة سوريا الاجتماعية.
ويبين أهمية إعداد خطة استراتيجية وطنية شاملة لتطوير التعليم المهني، بالشراكة مع الجهات المعنية، تستند إلى احتياجات الاقتصاد الوطني، وتحديث المناهج وإدخال تخصصات جديدة تتماشى مع التطورات العلمية والتكنولوجية، مع تطوير البنية التحتية للمدارس والمعاهد المهنية، وتحفيز الطلاب والمدرسين مالياً من خلال الاستفادة من المنتجات الناتجة عن التدريب، وبيعها عبر قنوات رسمية أو تنفيذ عقود مع مؤسسات الدولة، وتعزيز دور القطاع الخاص في التدريب والتأهيل، ومنح المعاهد المهنية الخاصة امتيازات وإعفاءات ضريبية مقابل مساهمتها، وربط مخرجات التعليم المهني بسوق العمل من خلال قاعدة بيانات دقيقة ومستمرة عن حاجات السوق المحلية، وإنشاء جهاز وطني مستقل للمراقبة والتقييم يتولى متابعة الأداء، تطوير المناهج، واعتماد معايير الجودة.
خيار استراتيجي
ويؤكد إسماعيل أن إعادة بناء سوريا الحديثة لا يمكن أن تتحقق دون إعادة الاعتبار للتعليم المهني كخيار استراتيجي يعزز قدرات الشباب ويمكّنهم من دخول سوق العمل بكفاءة، وفي ظل المتغيرات السياسية والاقتصادية، تبدو الفرصة مواتية لتحويل التعليم المهني من هامش مهمل إلى رافعة حقيقية للاقتصاد الوطني، ومحرك للتنمية المستدامة، وبوابة لتحقيق العدالة الاجتماعية والنهضة الاقتصادية في سوريا المستقبل.