الثورة- منذر عيد
لعب الكيان الإسرائيلي عبر سنوات نشأته على وتر الأقليات في المنطقة، لتحقيق أهداف وغايات أوسع في مشروعه الاستعماري الاستيطاني التوسعي، مركزاً على إضعاف دول الجوار حيناً، ومحاولة تفتيتها إلى دويلات أحيانا أخرى، فكانت ورقة “حماية الأقليات” هنا أو هناك، ذريعة حاضرة يستخدمها الاحتلال لأي تدخل ممكن من قبله، الأمر الذي شاهدناه في محاولة استثمار أحداث السويداء لإضعاف الدولة السورية، وإبعاد الجيش السوري عن منطقة الجنوب المحاذية للجولان المحتل برمتها، لتقوم دمشق بقطع الطريق على الكيان جنوبا، والتوصل إلى حل وضع حد لما يجري من أحداث في السويداء، عبر تكليف بعض الفصائل المحلية ومشايخ العقل بمسؤولية حفظ الأمن في السويداء.
ولأجل تحقيق ما تم ذكره أنفا، جاءت سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية يوم أمس على وسط دمشق وفي المنطقة الجنوبية التي طالت مناطق في محافظة درعا وأطراف محافظة السويداء، ليكون ذلك في سياق النهج العسكري الإسرائيلي المتكرر داخل الأراضي السورية، والذي بات جزءاً من سياسة ممنهجة تهدف إلى إبقاء البلاد في حالة من التوتر وعدم الاستقرار.
يحاول الاحتلال الإسرائيلي ومن خلال سياسة “الفوضى الآمنة”، إلى إضعاف سوريا، ومنعها من استعادة سيادتها الكاملة، أو لعب دور فاعل على المستويين الإقليمي والداخلي، حيث تعمل من خلال تلك الاستراتيجية إلى فرض معادلات ميدانية جديدة تمنع الجيش السوري من إعادة الانتشار، لاسيما في الجنوب السوري، وتحديداً في المناطق القريبة من الجولان المحتل، الأمر الذي أشار إليه السيد الرئيس أحمد الشرع في كلمته فجر اليوم بقوله: “إن الكيان الإسرائيلي الذي عوّدنا دائماً على استهداف استقرارنا وخلق الفتن بيننا منذ إسقاط النظام البائد، يسعى الآن مجدداً إلى تحويل أرضنا الطاهرة إلى ساحة فوضى غير منتهية، يسعى من خلالها إلى تفكيك وحدة شعبنا وإضعاف قدراتنا على المضي قدماً في مسيرة إعادة البناء والنهوض”.
من المؤكد أن الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا تندرج ضمن إطار استراتيجية أوسع لتقويض أي مساعٍ لإعادة ترتيب المشهد السوري سياسياً وعسكرياً، خاصة في المناطق الحساسة جغرافياً واستراتيجياً، ومحاولة لعرقلة جهود الدولة السورية الهادفة إلى تثبيت الاستقرار وإعادة الأمن، في ظل سعي الاحتلال لإبقاء التوتر والفوضى سائدين في المنطقة.
يسعى الكيان الإسرائيلي إلى تحويل الأرض السورية إلى ساحة حرب لتحقيق أهدافه، وفرض واقع سياسي جديد في المنطقة، إلا أن تاريخ الشعب السوري يثبت أن الاستنزاف مهما طال، لا يمنع لحظة الانبعاث، ولا يحول دون استعادة السيادة والكرامة الوطنية، وهو ما شدد عليه الرئيس الشرع :”نحن، أبناءَ سوريا، نعرف جيداً من يحاول جرّنا إلى الحرب، ومن يسعى إلى تقسيمنا، ولن نعطيهم الفرصة بأن يورّطوا شعبنا في حرب يرغبون في إشعالها على أرضنا، حرب لا هدف لها سوى تفتيت وطننا وتشتيت جهودنا نحو الفوضى والدمار، فسوريا ليست ساحة تجارب للمؤامرات الخارجية، ولا مكان لتنفيذ أطماع الآخرين على حساب أطفالنا ونسائنا”.
لقد أدركت دمشق حجم المخطط الإسرائيلي الذي تحوكه لسوريا، عبر الاستثمار في أحداث السويداء، ما دفع بها إلى قطع الطريق عليها، وتسليم الملف الأمني إلى بعض الفصائل المحلية، وهو ما أكده الرئيس الشرع : “لقد قرّرنا تكليف بعض الفصائل المحلية ومشايخ العقل بمسؤولية حفظ الأمن في السويداء، مؤكدين أن هذا القرار نابع من إدراكنا العميق لخطورة الموقف على وحدتنا الوطنية، وتجنب انزلاق البلاد إلى حرب واسعة جديدة قد تجرّها بعيداً عن أهدافها الكبرى في التعافي من الحرب المدمرة وإبعادها عن المصاعب السياسية والاقتصادية التي خلّفها النظام البائد”.