في ظل التطور المتسارع الذي يشهده الذكاء الاصطناعي، أضحى التلاعب بالصور ومقاطع الفيديو أمراً في متناول الجميع، ولاسيما عبر ما يُعرف بـ”التزييف العميق” (Deepfake)، إذ باتت هذه التقنية أحد أخطر التهديدات التي تستهدف المجتمعات، خاصة في دول تمر بتعافٍ سياسي واجتماعي وأمني، كالجمهورية العربية السورية.
ما يُنذر بالخطر حقاً هو أن هذه التقنيات لم تعد حكراً على المختبرات المتقدمة، بل أصبحت متاحة عبر تطبيقات على الهواتف الذكية أو مواقع إلكترونية، ما يفتح الباب واسعاً أمام المضللين والمحرّضين والعابثين بهيبة الدولة لاستغلال هذه الأدوات في صناعة الفتن وتشويه الحقائق، وربما إشعال نزاعات داخلية لا تُحمد عقباها.
“سورا” وأخواتها..
وقد سبقتها إلى هذا المجال شركات مثل غوغل وميتا وRunway، ما يدل على سباق عالمي محموم نحو تطوير أدوات إنتاج مرئي لا يمكن تمييزه عن الواقع بالعين المجردة.
مهارات تقييم الصور
بعد التعلم من عدد لا يحصى من الصور الأصلية، يمكن لمولدات الصور التي تعمل بالذكاء الاصطناعي الآن إنشاء صور واقعية مخادعة، دعنا نلقي نظرة على بعض المفاتيح لبناء مهارات تقييم الصور، وذلك بفهم حقيقي للصورة، وبالتحقيق في رسالة الصورة وموضوعها وجودتها ومصدرها من خلال هذه الأسئلة الأساسية:
أولاً، ماذا ترى في الصورة؟
ثانياً، ما الرسالة التي تحاول الصورة إيصالها؟
ثالثاً، ما العناصر الموجودة في الخلفية والأمامية؟
رابعاً، من أو ما هي الموضوعات الرئيسية للصورة؟
خامساً، أين وجدت هذه الصورة أو حصلت عليها؟
سادساً، من هو مصدر الصورة؟
سابعاً، هل يمكنك الوثوق بالمصدر؟
ثامناً، ما هي نية المصدر وراء مشاركة هذه الصورة؟
تاسعاً، من هو الجمهور المستهدف للصورة؟
عاشراً، ما هي المعلومات المصاحبة، مثل النص، التي تأتي مع الصورة؟ كيف نكشف التزييف؟ لا بد للمواطن الواعي من أن يتحلى باليقظة الرقمية، وأن يتقن قراءة التفاصيل الصغيرة.
ومن أبرز العلامات التي تساعد على كشف التزوير في الفيديوهات ما يلي:
عدم التناسق البصري: مثل اختلاف لون البشرة بين الوجه والرقبة، أو عدم رمش العينين، أو الحركة غير الطبيعية للفم.
تشوهات في جودة الفيديو: ضبابية حول حواف الوجه، أو ظلال غير متناسقة، أو تشويش في الخلفية.
سلوك غريب للشخصيات: مثل ردود فعل بطيئة، أو تعابير وجه جامدة، أو حركة رأس تؤدي إلى تشوه مفاجئ.
وفي الصور المزيّفة التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، هناك علامات واضحة يمكن رصدها: أصابع مشوهة أو زائدة، موقع غير منطقي للكائنات، نصوص مشوشة أو مكتوبة بلغة غير مفهومة، إضاءة غير متناسقة أو ظلال تأتي من زوايا غير منطقية. تفاصيل غير دقيقة في العيون، الشعر، أو الأذنين.
من المهم استخدام أدوات بسيطة مثل تحليل البيانات الوصفية للصورة (EXIF)، أو البحث العكسي عن الصور، بالإضافة إلى تقييم الرسائل والسياق والمصدر.

ما الذي يمكننا فعله؟
سوريا اليوم بحاجة إلى مبادرة وطنية مشابهة، تهدف إلى تدريب المواطنين، خاصة الطلاب والإعلاميين والناشطين، على تحليل المحتوى الرقمي وتمييزه.
ثانياً، يجب بناء أدوات سورية لرصد التزييف، إذ يمكن دعم الجامعات ومراكز البحث السورية لإنشاء أنظمة متقدمة لكشف التزييف العميق، عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي المضادة، وتحليل البيانات البصرية والسمعية.
ثالثاً، رفع الوعي المجتمعي وعدم الانجرار خلف الفتن، ويجب ألا يشارك المواطن أي صورة أو مقطع فيديو مثيراً للريبة من دون التأكد من مصدره، فإعادة النشر غير الواعي قد تُستخدم كأداة في “حرب إعلامية” تستهدف نسيجنا المجتمعي، كما فعلت بعض المنصات الأجنبية في تأجيج الأوضاع الداخلية في دول أخرى.
نُحصّن وعينا.. لنحمي وطننا
دعونا نحصّن أنفسنا بالوعي، لنواجه أدوات التضليل، ونُفشل كل محاولة للنيل من استقرار وطننا، لأن سوريا اليوم لا تحتمل تزييفاً جديداً.. لا في الواقع ولا في الصورة.