الثورة:
في مشهد يعيد إلى الأذهان أساليب الحرب النفسية والمعلوماتية، تصاعدت خلال الأيام الماضية على منصات التواصل الاجتماعي حملات تحريضية منظمة استهدفت مؤسسات الدولة السورية، قادتها حسابات أُنشئت مؤخراً، بعضها يعمل بأسماء وهمية وأخرى تتخفى خلف شعارات طائفية أو مناطقية.
وبرز لاحقاً انضمام شخصيات معروفة بمواقفها المتشددة ذات الخلفيات الطائفية والقومية الضيقة، ما كشف عن وجود تنسيق ممنهج يتجاوز حدود التعبير العفوي.
وقد حاولت هذه الحسابات الترويج لمحتوى يزعم التضامن مع “الأقلية الدرزية” في محافظة السويداء، لكنها سرعان ما كشفت عن توجهها الحقيقي، إذ تحوّلت إلى منصات تبث خطاباً طائفياً وتحريضياً يستهدف النسيج المجتمعي السوري، ويهاجم مؤسسات الدولة بشكل مباشر أو موارب، بل وصلت بعض منشوراتها إلى الدعوة الصريحة للانفصال عن الدولة، في استغلال سياسي فاضح لواقع أمني وإنساني هشّ.
وبالاطلاع على منشورات تلك الحسابات، يتبيّن بوضوح أن أغلبها لا يمت بصلة للدفاع عن حقوق الأقليات أو المطالبة بالسلم الأهلي، بل تستند إلى روايات مختلقة، وصور قديمة، ومقاطع فيديو مفبركة، يجري تداولها عبر مجموعات مغلقة وتطبيقات مراسلة، ثم يُعاد تعميمها باستخدام وسوم مستهدفة، بهدف شيطنة الجيش السوري، وتأليب الرأي العام على الحكومة.
ويؤكد نمط الخطاب المتداول أن الهدف الأساسي لهذه الحملات ليس حماية المدنيين أو التعبير عن هواجس محلية، بل إعادة إنتاج خطاب الانقسام والتفتيت المجتمعي، والترويج لكانتونات منفصلة، خصوصاً في مرحلة مفصلية تمر بها البلاد أمنياً وسياسياً، ما يجعل هذه الحملات خطراً حقيقياً على وحدة سوريا وتماسكها الوطني.
وفي تعليق رسمي، قال وزير الإعلام الدكتور حمزة مصطفى إن ما يجري من تصعيد رقمي يمثل حلقة جديدة في الحرب على سوريا، مشيراً إلى أن المعركة لم تعد تقتصر على البندقية، بل باتت تُخاض أيضاً بالكلمة المفبركة والصورة المفخخة والخبر المضلل.
ودعا الوزير السوريين إلى توخّي الحذر من الانسياق وراء مصادر مجهولة على المنصات الاجتماعية، مطالباً الجميع بالاعتماد على القنوات الرسمية للتحقق من الأخبار، خصوصاً في ظل ما وصفه بـ”الزخم الكبير للأكاذيب” التي تستهدف استقرار سوريا وأمنها الداخلي.
وقدّمت وزارة الإعلام مجموعة من الحقائق الرقابية التي تكشف حجم التحديات، إذ لا تزال سوريا خاضعة لعقوبات أميركية تشمل أدوات التواصل الرقمي، ما يعيق التنسيق مع إدارات المنصات الكبرى، خاصة في ما يتعلق بإزالة المحتوى التحريضي.
ووفق الوزارة، تعيق هذه العقوبات الجهود الحكومية في ملاحقة الحسابات التي تروّج للشائعات أو تحرّض على الدولة ومؤسساتها، وتشير الإحصائيات الأولية إلى وجود ما يقارب 300 ألف حساب نشط، ينشر محتوى مضللاً متمركزاً في أربع دول أساسية.
وتتنوّع أشكال هذا المحتوى، إذ يظهر بعضها مؤيداً للدولة ظاهرياً، لكنه يسوّق خطاباً تقسيمياً في المضمون، وتعمل وزارة الإعلام على مواجهة هذه الظاهرة عبر أدواتها التقنية، وقد رُصد خلال الأيام الماضية توليد أكثر من 10 آلاف حساب جديد يوميًا، وتراهن الوزارة في المقابل على وعي الجمهور السوري، ودوره في إحباط هذه المحاولات، حتى تتوفر بيئة رقمية أكثر أمانًا وفعالية.
ويؤكد الدكتور حمزة مصطفى بالقول: إن الحسابات الوهمية قد استنفدت دورها في سوريا الجديدة، وإن البلاد بحاجة اليوم إلى تضافر كل الجهود الوطنية، إعلامياً ومجتمعياً، لمواجهة هذا النوع من الحروب غير التقليدية، مؤكداً أن تمسك السوريين بالوحدة الوطنية، والاعتماد على المعلومات الموثوقة، يمثلان خط الدفاع الأول في مواجهة حملات التشويه والتحريض.