إلى متى العجز عن تأمين السيولة وتزويد المصارف بالكاش..!؟

الثورة – وعد ديب:

في ضوء ما يشهده الاقتصاد السوري من تحديات بنيوية ومركّبة، تبرز إشكالية حبس السيولة النقدية لدى المصارف كواحدة من أكثر الظواهر إلحاحاً وخطورة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

وبالنظر إلى آثارها المباشرة على الدورة الإنتاجية، ومستوى الطلب الكلي، وسلامة النشاط التجاري، فضلاً عن انعكاساتها على الثقة العامة بالنظام المصرفي، وفي الوقت الذي يواجه فيه المودعون صعوبات متزايدة في سحب أرصدتهم النقدية، نتيجة القيود المفروضة على السحوبات اليومية، أو الامتناع شبه الكلي عن تلبية الطلبات النقدية، تتعمق حالة الركود في السوق المحلية وتتآكل القدرة الشرائية للناس، وتُصاب الحركة التجارية والسياحية والصناعية بحالة من التباطؤ القسري.

تقليص الكتلة النقدية

وهنا يشير الباحث الاقتصادي الدكتور سلمان ريا إلى أن عجز المصارف عن تأمين السيولة بالوتيرة المطلوبة مردّه إلى تشدد مصرف سوريا المركزي في تزويدها بالكاش اللازم، مما يضع المصارف في مواجهة مباشرة مع المواطنين، ويُحدث خللاً في العلاقة التبادلية بين المودع والمؤسسة المصرفية، وهي علاقة تقوم في جوهرها على الثقة والضمان والمرونة.

ويقول في حديثه لصحيفة الثورة: إذا كانت الغاية من هذه الإجراءات تقليص حجم الكتلة النقدية المتداولة، وتقييد الطلب على العملات الأجنبية بهدف تحقيق استقرار سعر الصرف، فإن هذه الغاية مهما بلغت من الأهمية ينبغي ألّا تكون على حساب شلّ الأنشطة الاقتصادية الأساسية، أو تفريغ الدورة النقدية من مقوماتها الحيوية، أو إضعاف الاستهلاك النهائي، الذي يعدّ من أبرز محركات النمو في الاقتصادات الريعية والمنتجة على حد سواء، فالسيولة المصرفية، والكلام للدكتور ريا، لا تمثّل مجرد أداة للتداول، بل تُعدّ محركاً أساسياً لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بما في ذلك دعم التشغيل، وتحسين الخدمات العامة، ورفع كفاءة البنية التحتية.

تعزيز الثقة

وبرأي الباحث ريا، فإن الحفاظ على التوازن النقدي لا يتحقق عبر الانكماش القسري للسيولة، وإنما من خلال تعزيز الثقة، وتوسيع قاعدة الإنتاج، وتحفيز الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي، بما ينعكس إيجاباً على حجم الناتج المحلي الإجمالي، ويقلل تدريجياً من اللجوء إلى المضاربة بالقطع أو طلبه لتلبية الاحتياجات الاستيرادية غير المنتجة، وتقوية الاقتصاد الحقيقي، عبر دعم الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي وتحريك عجلة التصنيع المحلي، وتوفير بدائل المستوردات وهذا هو السبيل الأمثل إلى تخفيف الضغط على العملات الأجنبية، وتحقيق استقرار مستدام في سعر الصرف.

وبحسب الباحث الاقتصادي، فقد أثبتت التجارب النقدية في الدول النامية أن معالجة الاختلالات في سوق القطع تبدأ أولاً من تحسين أداء القطاعات الإنتاجية، وتوسيع العرض السلعي، وتوليد فرص عمل ذات دخل حقيقي، بما يؤدي إلى تحفيز الطلب الفعال، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وضبط المستوى العام للأسعار، وانخفاض معدل التضخم.

وكل ذلك ينعكس إيجاباً على قيمة العملة الوطنية، ويعزز من موقعها في السوق الداخلية والخارجية، دون الحاجة إلى إجراءات انكماشية قسرية تؤدي إلى مزيد من التباطؤ وفقدان الثقة.

وإذا كانت التنمية المستدامة تستند في جوهرها إلى استثمار الموارد البشرية والطبيعية والمالية بشكل متوازن يحقق العدالة بين الأجيال، بحسب الباحث الاقتصادي، فإن القطاع المصرفي يُعدّ ركيزة محورية في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة والتنمية الريفية، البيئة الحضرية، التعليم، الصحة، ريادة الأعمال، وغيرها من محاور الاستدامة.

ويُضاف إلى ذلك أن التمويل المصرفي، حين يتجه إلى دعم الاقتصاد المعرفي، يسهم في بناء منظومة إنتاجية تقوم على الابتكار والتقنيات الحديثة والبحث العلمي، مما يؤدي إلى تعزيز القدرات التنافسية للمجتمع السوري، وإعادة تشكيل بنية العمل وفقاً لمتطلبات العصر.

ويؤكد أنه لا يمكن فصل دور السيولة المصرفية عن ضرورة بناء قاعدة متينة للموارد البشرية القادرة على قيادة مرحلة التحول الاقتصادي، فالمورد البشري المؤهّل علمياً وتقنياً يشكل الرأسمال الحقيقي في الاقتصاد المعرفي، إذ تغدو المعرفة هي الأصل الإنتاجي الأول، والابتكار هو المعيار الأساسي للقيمة.

وهنا تبرز أهمية تمويل التعليم العالي، وتكنولوجيا المعلومات، والمراكز البحثية، بما يكفل التحول من اقتصاد قائم على الإنفاق الحكومي إلى اقتصاد مدفوع بالكفاءة والإنتاجية، على حد قول الباحث الاقتصادي.

عواقب اقتصادية

ويرى أن مسار الانتقال إلى اقتصاد غير نقدي لا يجوز أن يكون منفصلاً عن واقع السوق السورية، بل ينبغي أن يتم تدريجياً ووفق آليات تشريعية ومصرفية متكاملة تقوم على الحوكمة، الشفافية، والتحفيز الإيجابي بما يتيح للمواطن والمستثمر التكيف مع هذا الانتقال من دون أن يشعر أنه يخسر حقه في السيولة، أو يُجبر على مسارات لا تنسجم مع طبيعته الاقتصادية اليومية.

ويُضاف إلى ذلك أن تدهور الثقة بين المواطنين والمؤسسات المصرفية، وربما تتكرر مشاهد الفوضى أمام فروع المصارف، بما ينذر بعواقب اجتماعية واقتصادية وغيرها ينبغي التنبه لها مبكراً.ويختم حديثه: إنه ومن هذا المنطلق، فإن تحرك الجهات المعنية وفي مقدمتها مصرف سوريا المركزي، ووزارتا المالية والاقتصاد، لمعالجة هذا الوضع أو التخفيف من آثاره السلبية، لم يعد مطلباً فئوياً، بل ضرورة ملحة تفرضها طبيعة المرحلة، ومسؤولية الحفاظ على تماسك الاقتصاد المحلي وقدرته على الصمود والاستمرار.

ويمكن القول: يبقى الرهان على تعافي الاقتصاد وإعادة الثقة، وتحقيق مرونة نقدية حقيقية، وتوفير السيولة بوصفها شريان الحياة الاقتصادية، فالنقد لا قيمة له إذا لم يتحرك، والاقتصاد لا حياة فيه إذا جُمّدت مكوناته الأساسية.

آخر الأخبار
ليس مشروع إعمار فقط   بل إعلان عودة التاريخ العربي من بوابة دمشق  تسهيل لخدمات الحجاج.. فرع لمديرية الحج والعمرة بدير الزور تعزيز الطاقة المتجددة والربط الكهربائي في زيارة الوزير البشير لمحطة سدير السعودي سوريا تطلق خطة طموحة لإعادة هيكلة قطاع الطيران وتطوير مطار المزة كمركز للطيران الخاص تعديلات جديدة على النظام الانتخابي ومجلس الشعب القادم بـ210 مقاعد اتفاقية استراتيجية بين سوريا والسعودية لتعزيز التعاون في الطاقة وفتح آفاق التكامل الإقليمي نقطة طبية في جدل بدرعا لخدمة المهجرين من السويداء 1490 مريضاً استقبلتهم العيادة الأذنية في مستشفى الجولان الوطني تأهيل مدرسة سلطان باشا الأطرش في حلب قرار حريص على سلامة الطلاب..  تأجيل امتحانات الثانوية في السويداء  عشرة أيام وحارة "الشعلة" في حي الزهور بلا مياه .. والمؤسسة ترد  الأردن يجدد التأكيد على أهمية الحفاظ على سيادة و استقرار سوريا   مظاهرة حاشدة في باريس تنديداً بالعدوان الإسرائيلي ورفض التقسيم إزالة 32 مخالفة تعدٍّ على خطوط مياه الشرب في درعا "الجبهة الوطنية العربية" تقدم مساعدات طبية إسعافية لصحة درعا وزير الإعلام من حلب: إعادة هيكلة الإعلام الحكومي.. وعودة الصحافة الورقية منتصف أيلول  خطة عاجلة لتأمين الاحتياجات الأساسية بدرعا للمهجرين من السويداء متابعة الخدمات الصحية المقدمة في المركز الطبي بقطنا صحيفة الرياض: استعادة سوريا لمكانتها العربية ضرورة وليس خياراً مناشدات لتخفيض أسعار الأعلاف بعيداً عن تحكم التجار.. الشهاب لـ"الثورة": نعمل على ضخ كميات كبيرة في ا...