الثورة – وفاء فرج:
شحّ السيولة في المصارف وعدم القدرة على تلبية احتياجات جميع شرائح المجتمع، خاصة قطاع الأعمال، أثر سلباً على حركة رأس المال التي تصب في النهاية في دوران العجلة الإنتاجية، الأمر الذي خلق فقدان ثقة بين قطاع الأعمال والمصارف، ولجوء هذا القطاع في البحث عن أماكن آمنة لأمواله بعيداً عن إيداعها في تلك المصارف.
إعادة بناء علاقات شفافة
صحيفة الثورة تابعت هذا الملف، وتحدث نائب رئيس غرفة تجارة دمشق سابقاً محمد الحلاق قائلاً: إن إعادة الثقة بالمصارف موضوع حساس ويحتاج إلى إعادة بناء علاقات شفافة، وأن يتم السماح للمودع بسحب كل ماله من إيداعات أو قبول تحويلها، وأن يكون هناك مرونة بالتعامل، مبيناً أن الثقة يولدها المصرف وإدارته من خلال حساباته وتعامله وكأسهم للمصرف، كما أن الثقة موجودة في مكان ما، إلا أن التعامل يوجد فيه مشكلة حقيقية.
وأشار إلى إن إعادة الثقة تحتاج إلى التوازن بين دخول وخروج القطع بالليرة السورية، وهذا يحتاج إلى وقت، كون معظم الكتلة النقدية خارج القطاع المصرفي، وبالتالي هي خارج التداول، منوهاً بأن آلية عمل المصارف هي المنح والإيداع، وأنه في ظل هذا الظرف لا أحد يقدم على وضع ودائع، حتى الجمعيات الخيرية امتنعت عن وضع ودائع، إضافة إلى أنه كان هناك توطين رواتب لم يعد موجوداً.
وبيّن أن إعادة الثقة تحتاج إلى السماح للناس بسحب أموالهم بيسر، إلا أن البنك لديه أموال موظفة في عقارات وغيرها، وهو ما يعرف بمحفظة ائتمانية وأن مطالبة الناس بسحب أموالهم دفعة واحدة لن تتم كونه قدم قروضاً للناس ويسدد وفق جدول تسديد زمني وهذا ما حصل في لبنان، وكان السوريون أكثر المتضررين.
وحدد الحلاق متطلبات إعادة الثقة بالبنوك السورية، وأهمها توافر السيولة لتلبية احتياجات المودعين بأي رقم يريدونه حتى ولو على دفعات، ولكن يجب أن يكون هناك صدق بهذا الكلام، وإعادة العمل بالبطاقة الائتمانية التي تخفف تداول النقد، وإعادة الثقة بين الذين يعملون بالبطاقة الائتمانية مع المصارف، بحيث يستطيعون سحب أموالهم في أي وقت، وفي ذات السياق نحن بحاجة إلى إعادة عمل “الطابو” حتى يكون هناك إقراض، خاصة أن القطاع المصرفي يعاني من مشكلة أن لديه إيداعات والأرقام كبيرة جداً، وغير قادر على الإقراض نتيجة توقف عمل “الطابو”، وبالتالي المصرف لا يستطيع القيام بالحجوزات التي يجريها عادة على أي مقترض، معتبراً أن هذه التشابكات يجب معالجتها حتى يستعيد القطاع المصرفي ثقة المتعاملين معه، وهو أمر ليس بالسهل بعد المعاناة الطويلة التي تكبدها الناس، وبالتالي يجب أن يكون لديه سيولة كاش كبيرة تلبي حاجة المودعين بشكل منطقي وعقلاني.
وبين أن قطاع الأعمال يعاني من عدم قدرته على سحب السيولة وليس لديه إمكانية الاقتراض، خاصة القرض التشغيلي المتوقف وبالتالي لا بدّ من وجود مرونة وشفافية لدى المصارف، مؤكداً أن المطلوب إعادة الترميم بشكل سريع وعدم التأخير، لأنه ليس من مصلحة أحد.
ما يعزز الثقة المصرفية هو التجربة
الباحث الاقتصادي الدكتور فادي عياش يرى أن الثقة المصرفية بالعموم تقوم على مبادئ محددة، منها التشريعات ذات الصلة من حيث الثبات والتطبيق والملاءة والضمان، والحوكمة من حيث النزاهة والشفافية والإفصاح والمسؤولية والمساءلة والعدالة، وكذلك الإدارة من حيث التنظيم والتخطيط والتسويق وجودة الخدمات وتنوع المنتجات المصرفية والقاعدة الجوهرية هي الأسرع والأفضل والأوفر.
وقال: ما يعزز الثقة المصرفية هو التجربة، سواء كانت شخصية أو مبنية على تجارب الغير، وهنا تلعب أساليب الترويج المصرفي دوراً مهماً في بناء وتعزيز الثقة المصرفية.
ونوه بأن الثقة المصرفية تتأثر بشدة في الظروف غير العادية، كالأزمات الاقتصادية والمالية والاضطرابات السياسية والنزاعات والعقوبات، ما يتطلب جهوداً كبيرة ومضاعفة من الجانب الحكومي ومن جانب المصارف، فقد ترغم الحكومات والمصارف على إجراءات خاصة تؤثر بشكل بالغ على ثقة الجمهور في النظام المصرفي كالسياسات النقدية وتقييد السيولة وأسعار الفائدة وتوازنات سعر الصرف المضاربة.
وأكد أن تعافي النظام المصرفي واستعادته للثقة مع الجمهور يعتبر أحد أهم عوامل الاستقرار وجذب الاستثمار والتعافي وإعادة الإعمار، ولذلك نجد العديد من الاستراتيجيات المهمة والضرورية لاستعادة وتعزيز الثقة، ومنها: التطبيق الملزم لمعايير الحوكمة عبر إجراءات استثنائية ومتكاملة ومتناغمة من قبل البنك المركزي والحكومة، في الشفافية والاتصال والنزاهة والمسؤولية، إذ يجب على البنوك أن تكون شفافة حول أوضاعها المالية وأن تقدم تقارير دورية توضح استقرارها المالي.
وتعزيز رأس المال والسيولة حيثما أمكن، وذلك لضمان قدرتها على الاستمرار، ولاسيما لجهة حرية تحريك الحسابات وضمان استقرار قيمتها ومراعاة تكلفة الفرصة البديلة، وكذلك ضرورة الحصول على دعم حكومي وضمانات، ويجب على الحكومة تقديم ضمانات للودائع، مثل التأمين على الودائع لضمان حماية أموال المودعين.
وأيضاً، والكلام للدكتور عياش، تدخل الحكومة والبنك المركزي لتوفير الدعم المالي والاقتصادي حيثما أمكن للبنوك المتعثرة والتي تتعلق بالقروض المتعثرة بشكل رئيس.
ولفت إلى الإجراءات الإسعافية القصيرة ومتوسطة الأجل، إذ يمكن اقتراح الإسراع قدر المستطاع في إعادة الاندماج في النظام المصرفي العالمي ولاسيما SWIFT، ومحاولة الحصول على دعم مالي عبر المنظمات المالية العالمية والإقليمية، ولاسيما الودائع المصرفية والمنح والإعانات لتعزيز السيولة والمركز الائتماني، وتخفيف القيود على السيولة وخصوصاً لقطاعات الأعمال، مما يساعد في تنشيط الطلب المحلي ويساعد على تحفيز الإنتاج.وبحسب الدكتور عياش يمكن تحريك أسعار الفائدة بما يتناسب مع التشجيع على الادخار وزيادة الإيداعات من جهة وكذلك تخفيض تكاليف التمويل ولاسيما الإنتاجية منها من جانب آخر، والتوسع في اعتماد وسائل الدفع الإلكتروني مما يخفف من مظاهر الضغوط التضخمية، والتحفيز القوي لسوق دمشق للأوراق المالية وتنميته.
ويقترح تسهيل تأسيس الشركات المساهمة بمختلف أشكالها وتحفيز التحول إليها، وإنشاء مصارف استثمار لتقوم بالوظيفة الاستثمارية بشكل مباشر بحيث تكون مثالاً يحتذى لاستعادة الثقة والتشجيع على الاستثمار.