الثورة – ناديا سعود:
في خطوة تعكس طموحاً استراتيجياً لإعادة تموضع سوريا على خارطة النقل الجوي الإقليمي والعالمي، كشفت الهيئة العامة للطيران المدني السورية عن رؤيتها المستقبلية الممتدة حتى عام 2030، واضعة نصب عينيها تحقيق قفزة نوعية في قطاع الطيران والبنية التحتية المرتبطة به.
وتهدف هذه الرؤية إلى خلق نحو مليون ونصف مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، ما يجعلها واحدة من أضخم المبادرات الاقتصادية والتنموية في تاريخ البلاد الحديث، المبادرة لا تقتصر على تطوير المطارات وأساطيل الطائرات، بل تتجاوز ذلك لتشمل منظومة متكاملة من الخدمات اللوجستية، والتدريب المتخصص، والشراكات الاستثمارية، بما يسهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي وتوسيع آفاق السوق المحلية أمام الكفاءات الوطنية.
الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل لفت لصحيفة الثورة أن رؤية تطوير هذا القطاع قادرة على خلق موجة واسعة من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، تمتد من البناء والتشييد إلى التعليم والتدريب، والخدمات الجوية والسياحية، والصيانة الفندقية والخدمات اللوجستية.
ويؤكد الباحث المغربل أن هذا الزخم في سوق العمل لن يقتصر على المدن الكبرى، بل سيعيد توزيع الكثافة السكانية، ويحفّز الطلب على الخدمات في المناطق المحيطة بالمطارات، الأمر الذي من شأنه تعزيز النشاط الاقتصادي المحلي وتخفيف معدلات البطالة.
تحديات على الأرض
وأشار إلى أن الخطة تواجه مجموعة من التحديات الجوهرية، أبرزها تأمين التمويل اللازم لتطوير البنية التحتية وتوسيع المطارات، إضافة إلى توفير الطائرات والتجهيزات التقنية الحديثة، وبناء الخبرات التشغيلية والإدارية، كما أن استقطاب الاستثمارات الأجنبية والعربية يحتاج إلى بيئة استثمارية مستقرة، وسياسات محفّزة، وضمانات واضحة للمستثمرين، لضمان تحويل مذكرات التفاهم إلى مشاريع حقيقية على أرض الواقع.
ويرى الباحث الاقتصادي أن القطاع الخاص يلعب دوراً محورياً في إنجاح هذه الرؤية، من خلال الاستثمار في المطارات الجديدة والمرافق المحيطة بها مثل: مراكز الصيانة، الفنادق، المراكز التجارية، ومعاهد التدريب المتخصص، كما أن دخول شركات طيران خاصة إلى السوق المحلية، ضمن أطر تنظيمية واضحة، سيكون خطوة نحو المنافسة الصحية وتحسين جودة الخدمات وخفض التكاليف التشغيلية، ما يعزز الاستدامة المالية للمشروع.
رؤية رقمية
ولفت الباحث المغربل إلى أن أولويات التطوير تشمل توسعة المطارات القائمة وإنشاء مطارات جديدة، على رأسها مشروع مطار دمشق الجديد المخطط لاستيعاب ملايين المسافرين سنوياً، وتستهدف الخطة أيضاً تعزيز برامج التدريب والتأهيل المهني، وتبني أحدث تقنيات النقل الجوي والملاحة، إضافة إلى إنشاء مرافق لوجستية وصناعية مثل قرية الشحن الجوي.
وفي جانب التحول الرقمي، يشير الباحث الاقتصادي إلى أهمية اعتماد الذكاء الاصطناعي في أنظمة الطيران والذي يعد خطوة استراتيجية لرفع الكفاءة والاستجابة السريعة، وجعل القطاع مواكباً لأحدث التطورات العالمية.
ولا يقتصر أثر تطوير الطيران المدني على تحسين حركة السفر، كما يقول الباحث الاقتصادي، بل يتجاوز ذلك إلى تعزيز التبادل التجاري والسياحي، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية، وتسهيل تنقل المغتربين والطلاب والمرضى، ما ينعكس إيجاباً على الناتج المحلي الإجمالي ويعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
في المحصلة..
يبدو أن رؤية الطيران المدني في سوريا ليست مجرد مشروع بنية تحتية، بل خارطة طريق اقتصادية قادرة على إعادة ربط البلاد بالعالم، وتحريك عجلة الاستثمار، وبناء فرص عمل مستدامة، بما يضع القطاع في قلب استراتيجية النهوض الاقتصادي الوطني.