الثورة- منذرعيد
رغم الخطاب المعلن عن الانفتاح على دمشق واستعداد “قسد” للبحث في صيغ إدماجها داخل مؤسسات الدولة، تشيرالمعطيات الميدانية والسياسية إلى أن هذه المواقف أقرب إلى المناورة التكتيكية، منها إلى الالتزام الاستراتيجي، وهو ما يظهر جلياً من خلال عدم إقدام “قسد” على أي تغييرات جوهرية في انتشارها أو إدارة المناطق التي توجد تحت سيطرتها، بل هي ماضية في السيطرة على الموارد الحيوية والنقاط الاستراتيجية، بما يعزز نفوذها المحلي.
وسط تصاعد التوتر السياسي والميداني بين الحكومة و”قسد”، تبرز تساؤلات عدة حول أهداف زيارة ما تسمى الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية إلهام أحمد إلى دمشق، هل تأتي الخطوة في إطارمساعٍ لتهدئة الأجواء وفتح قنوات تفاوضية، أم أنها مناورة تكتيكية مرتبطة بتغيّرات المشهد الميداني والسياسي.
واحدة من أبرز العقبات أمام أي اندماج حقيقي لقسد في بنيان مؤسسات الدولة، هي أن القرار السياسي والعسكري لـ”قسد” لا يُصنع محلياً بالكامل، بل يخضع لتوجيهات حزب العمال الكردستاني خارج سوريا، هذا الارتباط الهيكلي يجعل من الصعب تصور قبول “قسد” بالتخلي عن بنيتها الحالية أو الخضوع الكامل لسلطة الدولة السورية.
الاشتباكات الأخيرة في تل ماعز شرق حلب، والتي أسفرت عن استشهاد جندي من الجيش، تمثل مؤشراً عملياً على أن لغة السلاح ما زالت حاضرة في اساسيات لغة “قسد”، الأمر الذي يجعل من تلك المفردات أداة تقوّض أي حديث عن اندماج وشيك، وتدل على أن “قسد” تستخدم التوترات كأوراق ضغط في أي مسار تفاوضي.
يرى مراقبون أن “قسد” تتعامل مع ملف الاندماج وفق مبدأ كسب الوقت والحفاظ على الأمرالواقع، عبر إبقاء قنوات التفاوض مفتوحة شكلياً، دون تقديم تنازلات جوهرية تمس بنيتها أو مناطق سيطرتها، وبهذه الطريقة وبحسب وجهة نظرها، تضمن استمرار دورها كفاعل ميداني مستقل نسبياً، وتحتفظ بخياراتها مفتوحة أمام التحولات الإقليمية والدولية.
بالمقابل، ومع تذبذب “قسد” في خياراتها ومواقفها، تؤكد الدولة السورية حرصها على وحدة الأراضي وسيادة الدولة على كامل أراضيها، وتدعو جميع القوى المسلحة إلى الانخراط الفعلي في مؤسسات الدولة، بعيداً عن المناورات الشكلية التي لا تخدم إلا مصالحها الذاتية، ليبقى الحل الوحيد لأي تفاوض حقيقي هو الالتزام الكامل بسلطة الدولة وإنهاء أي هيمنة مسلحة على مناطق محددة، بما يعزز الأمن والاستقرار في سوريا ويخدم مصالح شعبها، ويفتح الباب واسعاً أمام إعادة الإعمار وتحقيق النهوض الاقتصادي والاجتماعي.