كيف يتحول القطاع الخاص إلى محرك أساسي يعيد تنشيط النمو؟

الثورة – جاك وهبه:

يواجه الاقتصاد السوري منذ أكثر من عقد سلسلة متلاحقة من الصدمات التي أضعفت قدرته على النمو وأثقلت كاهله بمشكلات بنيوية عميقة من تراجع الإنتاج الصناعي والزراعي إلى تقلص الاستثمار المحلي والأجنبي، مروراً بانكماش سوق العمل وتآكل القدرة الشرائية.

وتبدو صورة الاقتصاد اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، وفي ظل هذه الظروف، يبرز سؤال جوهري: هل يمكن للقطاع الخاص أن يتحول من لاعب محدود الدور إلى محرك أساسي يعيد تنشيط الدورة الاقتصادية؟.

القطاع الخاص في سوريا يمتلك على الرغم من الصعوبات ما يميزه عن أي مكون اقتصادي آخر فمرونته في التكيف مع المتغيرات وقدرته على الابتكار وخبرته في التعامل مع الأسواق تمنحه فرصاً حقيقية ليكون أكثر من مجرد مزوّد للسلع والخدمات، يمكنه أن يتحول إلى قوة إنتاجية قادرة على خلق فرص عمل نوعية وجذب الاستثمارات وتعزيز الصادرات، بل والمساهمة في إعادة رسم خريطة الاقتصاد الوطني، غير أن هذه الإمكانات كما يتفق معظم الخبراء لن ترى النور من دون بيئة حاضنة توفر التشريعات العادلة، وتدعم المنافسة النزيهة وتبني بنية تحتية حديثة وتربط التعليم بمقتضيات السوق.

إذاً ما الذي تحتاجه سوريا اليوم لتمنح قطاعها الخاص القدرة على قيادة مرحلة التعافي؟.. وهل يمكن في ظل الواقع الحالي صياغة رؤية اقتصادية شاملة تجعل من هذا القطاع شريكاً حقيقياً في عملية النهوض؟.

الإطار التشريعي

في هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي فاخر قربي في حديث خاص لصحيفة الثورة، أن تمكين القطاع الخاص يبدأ أولاً من الإطار التشريعي المستقر والواضح، فهو الضمانة الأولى لجذب الاستثمارات وحمايتها، ويرى أن قوانين الاستثمار يجب أن تكون مبسطة وشفافة تكفل للمستثمرين حقوقهم وتحمي ممتلكاتهم وتختصر المراحل البيروقراطية المرتبطة بتسجيل الشركات والحصول على التراخيص.

كما يشدد على ضرورة أن تضمن قوانين الملكية حماية كاملة للملكية الفكرية والمادية، وأن تمنع أي استيلاء غير مشروع على أصول الشركات، أما عقود العمل والتجارة فيجب أن يحكمها قانون قوي لحماية العقود وتنفيذها بعدالة مع توفير قنوات سريعة وفعالة لفض النزاعات.

ويضيف قربي: إن قوانين المنافسة العادلة ضرورية لمنع الاحتكار وتعزيز التنافس الحر الذي يرفع مستوى الجودة ويخفض الأسعار بينما تعمل قوانين العمل المتوازنة على حماية حقوق العمال والحفاظ على مصالح أصحاب العمل مع توفير بيئة عمل آمنة، ويرى أن التشريعات البيئية إذا صيغت بوضوح ستدفع الشركات إلى الالتزام بالمعايير البيئية وتشجعها على الاستثمار في الاستدامة.

البنية التحتية والبيئة الاقتصادية

ويوضح قربي أن شبكات الطرق الحديثة والموانئ والمطارات الفعالة وخدمات الاتصالات والطاقة والمياه المستقرة هي شرايين أساسية لانسياب حركة التجارة، كما أن توافر خدمات لوجستية متكاملة تشمل النقل والتخزين والتوزيع يسهل حركة البضائع داخلياً وخارجياً ويقلل من تكاليف الإنتاج والتسويق.

ويرى أن الاستثمار في العنصر البشري هو العمود الفقري لأي نهضة اقتصادية، لذا يجب تصميم برامج تدريبية متواصلة تواكب احتياجات السوق وترفع إنتاجية العاملين، أما من الناحية التحفيزية، فإن الحوافز الضريبية المدروسة سواء في شكل إعفاءات أم تخفيضات تشجع المستثمرين على التوجه نحو القطاعات ذات الأولوية.

ويضيف الخبير الاقتصادي: إن تبسيط الإجراءات الحكومية وتقليص البيروقراطية أمر حتمي لتسهيل إنشاء وتشغيل الشركات في حين أن الوصول السلس إلى التمويل من خلال البنوك والمؤسسات المالية يشكل شريان حياة للمشروعات الناشئة والقائمة.

ويشدد أيضاً على أن الاستقرار الاقتصادي المتمثل في معدلات تضخم منخفضة وأسعار صرف مستقرة إلى جانب بيئة أمنية قوية يشكلان عامل جذب أساسي لأي مستثمر، وأن التعاون بين القطاعين العام والخاص يمكن أن يكون أداة فعالة لتنفيذ مشاريع البنية الأساسية وتحقيق التنمية المستدامة.

المحرك الحقيقي للنمو

ويصف قربي القطاع الخاص أنه المحرك الحقيقي للنمو الاقتصادي، ليس فقط لأنه يوفر فرص العمل التي تخفض معدلات البطالة وترفع مستويات الدخل، بل لأنه أيضاً يضخ استثمارات جديدة ويعمل على توسيع النشاط الاقتصادي.

ويرى أن القطاع الخاص هو البيئة الأكثر ملاءمة للابتكار، إذ تسعى الشركات إلى تطوير منتجات وخدمات جديدة وتبني أحدث التقنيات لزيادة الكفاءة والإنتاجية، ويضيف: إن تلبية احتياجات المستهلكين بشكل مباشر وسريع تمنح هذه الشركات ميزة تنافسية، فيما يسهم تدفق الاستثمارات الخاصة في تحريك عجلة الاقتصاد، كما أن الضرائب التي يدفعها القطاع الخاص تعزز خزينة الدولة وتمكنها من تمويل البنية التحتية والخدمات العامة، في حين أن المنافسة التي يخلقها هذا القطاع تدفع جميع الشركات إلى تحسين أدائها وتطوير منتجاتها، وإلى جانب ذلك يلعب القطاع الخاص دوراً في تطوير الصناعات ونقل التقنيات الحديثة مما يعزز من قدرة الاقتصاد على النمو والتطور ويسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال تنويع المشاريع والاستثمارات.

استراتيجيات واضحة

ويرى قربي أن الابتكار هو القوة التي تبقي الشركات في صدارة المنافسة، وهو لا يحدث عشوائياً، بل يحتاج إلى استراتيجيات واضحة ومستمرة، فالاستثمار في البحث والتطوير يفتح الباب أمام استكشاف أفكار جديدة وتحويلها إلى منتجات وخدمات أو عمليات أكثر تطوراً، والتعاون مع الشركات الناشئة يتيح للقطاع الخاص الاستفادة من مرونتها وأفكارها الجريئة، في حين أن خلق ثقافة داخلية تشجع الموظفين على تبادل الأفكار والمخاطرة المدروسة يفرز حلولاً مبتكرة من داخل المؤسسة نفسها، كما أن الاستحواذ على شركات مبتكرة يمنح فرصة سريعة لدمج التقنيات الحديثة بينما يوسع الابتكار المفتوح الذي يقوم على التعاون مع العملاء والموردين والشركاء الخارجيين من قاعدة المعرفة والخبرة ويعزز قدرة الشركة على إنتاج حلول مبتكرة ومواكبة التغيرات السريعة في الأسواق.

خيار استراتيجي

ويؤكد قربي على أن تمكين القطاع الخاص ليس رفاهية اقتصادية بل خيار استراتيجي لأي دولة تسعى لتحقيق نمو مستدام ومكانة تنافسية على المستوى العالمي، وأن المسار نحو ذلك يبدأ من بيئة تشريعية واضحة وبنية تحتية متطورة واقتصاد مستقر وينتهي بشركات قادرة على الابتكار والمنافسة لتصبح قاطرة حقيقية للتنمية ورافداً رئيسياً لرفاهية المجتمع.

آخر الأخبار
قلعة حلب .. ليلة موعودة تعيد الروح إلى مدينة التاريخ "سيريا بيلد”.  خطوة عملية من خطوات البناء والإعمار قلعة حلب تستعيد ألقها باحتفالية اليوم العالمي للسياحة 240 خريجة من معهد إعداد المدرسين  في حماة افتتاح معرض "بناء سوريا الدولي - سيريا بيلد” سوريا تعود بثقة إلى خارطة السياحة العالمية قاعة محاضرات لمستشفى الزهراء الوطني بحمص 208 ملايين دولار لإدلب، هل تكفي؟.. مدير علاقات الحملة يوضّح تطبيق سوري إلكتروني بمعايير عالمية لوزارة الخارجية السورية  "التربية والتعليم" تطلق النسخة المعدلة من المناهج الدراسية للعام 2025 – 2026 مشاركون في حملة "الوفاء لإدلب": التزام بالمسؤولية المجتمعية وأولوية لإعادة الإعمار معالم  أرواد الأثرية.. حلّة جديدة في يوم السياحة العالمي آلاف خطوط الهاتف في اللاذقية خارج الخدمة متابعة  أعمال تصنيع 5 آلاف مقعد مدرسي في درعا سوريا تشارك في يوم السياحة العالمي في ماليزيا مواطنون من درعا:  عضوية مجلس الشعب تكليف وليست تشريفاً  الخوف.. الحاجز الأكبر أمام الترشح لانتخابات مجلس الشعب  الاحتلال يواصل حرب الإبادة في غزة .. و"أطباء بلا حدود" تُعلِّق عملها في القطاع جمعية "التلاقي".. نموذج لتعزيز الحوار والانتماء الوطني   من طرطوس إلى إدلب.. رحلة وفاء سطّرتها جميلة خضر