الثورة – مريم إبراهيم:
حرائق غابات الساحل والتي استمرت نحو أسبوعين الشهر الماضي، واجهت فيها فرق الإطفاء تحديات كبيرة في الوصول إلى بؤر النيران بسبب وعورة التضاريس وغياب الطرق المناسبة لوصول سيارات الإطفاء، مع سرعة الرياح الشديدة والحرارة المرتفعة التي ساهمت في شدة الحريق وتمددها لمساحات أكبر، والنتيجة كارثة بيئية حقيقية، إذ التهمت هذه الحرائق أكثر من 15 ألف هكتار في الساحل من الأراضي الزراعية والحراجية.
فمن هذه الحرائق إلى حرائق أخرى اندلعت منذ يومين في مناطق سهل الغاب، وريفي اللاذقية وحماة، تتسع دائرة الحرائق في وقت تتكرر فيه الحرائق خلال فصل الصيف، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة والجفاف، مع صعوبات كبيرة في وصول صهاريج الإطفاء إلى بؤر النيران بسبب الانحدارات الحادة، مع كل ما تبذله فرق الإطفاء والدفاع المدني لاحتواء النيران رغم التحديات وصعوبة المناطق الجبلية.
ويبدو أن حديث الحرائق سيطغى مرة أخرى في ظل ما تشهده مناطق الغابات من اندلاع الحرائق خلال فصل الصيف، خاصة بارتفاع درجات الحرارة والجفاف الحاد، وأسباب عدة تساهم في هذه الحرائق، من إهمال وعدم وجود خطط واستراتيجيات متطورة لمواجهة هذه الكوارث البيئية. وعلى منصات التواصل الاجتماعي تطلق نداءات الاستغاثة العاجلة مع تخوف وقلق من أن تتكرر مأساة حرائق الغابات في اللاذقية، فالنيران تلتهم الغابات في سهل الغاب من أعلى القمم، والحريق خارج عن السيطرة، فالانحدار الشديد يمنع فرق الإطفاء من الوصول، حتى مع كل الجهود البطولية للمجتمع الأهلي وفرق الإطفاء على الأرض والتي بدت لا تفي بالمطلوب في مواجهة سرعة انتشار النار وتمددها.
في الميدان
وزارة الطوارئ وإدارة الكوارث بينت أنها تواصل العمل بالتنسيق مع فرق الإطفاء والدفاع المدني والأفواج الحراجية لإخماد الحرائق المندلعة في عدة مناطق بريفي اللاذقية وحماة، وتمكنت حتى الآن من إخماد خمسة حرائق والسيطرة عليها بشكل كامل، وأوضح وزير الطوارئ وإدارة الكوارث رائد الصالح، في تغريدة عبر منصة X، أن الأيام الماضية شهدت اندلاع حرائق في مناطق الحفة (عين التينة، كرم المعصرة، دير ماما)، وجبل التركمان (الشحرورة، سلور، طريق اليمضية)، إضافة إلى القرداحة، وجبلة- كلماخو، وكسب، وسهل الغاب- رأس الشعرة، والجهود مستمرة للتعامل مع حريقين لا يزالان قيد الاشتعال، مع استمرار المراقبة الميدانية لضمان إخماد جميع البؤر ومنع تجدد النيران، رغم صعوبة التضاريس وانعدام خطوط النار في بعض المواقع، إضافة إلى شدة الرياح وارتفاع درجات الحرارة، كما أن فرق الإطفاء في مختلف المحافظات استجابت خلال اليومين الماضيين لـ 26 حريقاً، منها عشرة حرائق حراجية، وأربعة حرائق منازل، واثنا عشر حريقاً متنوعاً.
وما ينتظر في ظل صعوبة التضاريس الجبلية ووعورة الطرق وتحديات إخماد الحرائق.. يبدو الوضع أكثر تفاقماً، مع الخوف من تعدد بؤر الاحتراق وتمددها أكثر، ما يتطلب مزيداً من الدعم والجهود، فالوقت له أهميته في هكذا كوارث تهدد البيئة والطبيعة، ومع شدة النيران كل دقيقة تمر تعني خسارة عشرات الأشجار من ثروتنا الحراجية التي لا تُقدَّر بثمن، وهنا يتأكد ضرورة التدخلات الجوية والطوافات الحوامة كما يبين كثيرون كونها مهمة وتساهم في السيطرة على الحرائق ما أمكن ذلك، إذ ساعدت طائرة الدرون التي استخدمت للمساعدة في إطفاء حرائق الساحل كثيراً في السيطرة على البؤر وهي مخترعة من قبل الأخوين محمود الخلف وقيس الخلف، فالحاجة ملحة للغاية لتضافر جميع الجهود للجهات الحكومية والأهلية والمنظمات وفرق المتطوعين حتى مع الإمكانيات البسيطة، للسرعة لإخمادها قبل أن تتحول المنطقة إلى مجرد أرض محروقة ورماد.
تحديات
المناطق التي تتعرض للحرائق، ومنها سهل الغاب تتميز بتنوعها البيئي، والذي يتحول في مثل هذه الظروف إلى بؤرة خطرة يصعب احتواؤها بفعل التضاريس الجبلية القاسية، وتبرز أهمية تطوير منظومات الإنذار المبكر وتعزيز جاهزية فرق الإطفاء لمواجهة هذه الكوارث المتكررة، فموجة الحر وحالة الجفاف تساعد على تمدد الحرائق بسرعة ويبدو أن استمرار احتراق غابات سوريا سيزيد من فرصة تأثر البلاد بموجات حر قاسية السنوات القادمة، وسيضعف فرصة المنخفضات الجوية الشتوية بحسب رأي الخبراء في هذا المجال.
من دون حلول
بشكل عام حتى مع كل الأحاديث، وطرح الرؤى والتوجهات، وورشات عمل لمناقشة ظاهرة الحرائق والبحث في آليات مكافحتها ووضع استراتيجيات وقائية للحد من تكرارها، فالواقع يؤكد عدم وجود جاهزية مسبقة كما يجب للتعامل مع موضوع الحرائق، وهي التي تسبب الكثير من الآثار السلبية على جميع الأصعدة، إذ إن آثار الحرائق لا تقتصر على البيئة والصحة والخسائر البشرية والمادية بل تتعداها إلى خسائر التربة والتنوع البيولوجي والغلاف الجوي والمناخ المحلي، ومع تصاعد الظروف المناخية القاسية، وتعدد أسباب الحرائق، ولحظها بين فترة وأخرى، تتأكد أهمية وجود الخطط والتحضير الهندسي والجاهزية لمنع تكرارها ما أمكن، والخبرة في كيفية التعامل، وتدريب الكوادر وتثقيف المجتمع المدني وتأمين كل ما يلزم من تجهيزات وآليات لذلك، لتكون أخطارها في أقل النسب والحدود، مع خطط ودراسات للتعافي البيئي بعد الحرائق.
فرغم تعدّد الأزمات التي مرّت بها سوريا خلال العقد الأخير، من حرب مدمّرة وأزمات اقتصادية متلاحقة، تبقى كارثة حرائق الغابات من أكثر الكوارث التي لم تنل ما تستحقه من الاهتمام، رغم آثارها العميقة على البيئة والإنسان والاقتصاد.
تخفيف الأضرار
الدكتور بشار المفتي اختصاصي الهندسة البيئية بين في حديث لصحيفة الثورة، ضرورة وضع تصورات وخطط قابلة للتنفيذ بما يخص موضوع الحرائق ومنها حرائق غابات الساحل وغيرها، والعمل عبر محاولات وجهود لإزالة الآثار الناجمة عن الحرائق، ومحاولة وضع خطة لتجنب حصول حرائق أخرى، فدوماً أسهل طريق لتخفيف الأضرار منع حصولها أصلاً، وهذا جهد يتم العمل عليه، مع أهمية تعزيز الوعي المجتمعي في الحفاظ على التنوع البيئي والبيئة والطبيعة بشكل عام.
منوهاً بأن أي إجراء تتخذه الدولة إن لم يكن هناك تعاون من المجتمع يعتبر جهداً ضائعاً في غير محله ويسبب خسائر مادية من دون مبرر، فلابد من مساهمة المجتمع ومشاركته في الخطط، ومشكلة الغابات الأساسية التي حصلت هي أنها أحادية، لم يجد فيها الناس مصلحة كثيراً، فعملياً ربط مصالح الناس بالغابات الموجودة ومساهمة المجتمع المحلي عادة تكون أساسية بهذا الموضوع، ومهم الاستفادة من الخبرات وأن تكون موزعة، وتوحيدها باتجاه واحد لتحقيق الغاية، كما أن التشبيك بين مختلف الجهات والخبرات ضروري للغاية لتحقيق الهدف، مع ضرورة العمل لتجنب الضرر قبل حدوثه، ولاشك أن هذا مكلف، لكن بالنهاية الكلفة الناتجة عن الضرر أعلى من الكلفة الناتجة عن تجنبه، ويجب دوماً أن لا ننتظر حتى نقع بالمشكلة ونبحث عن حلها، بل يجب أن نكون سباقين ونتوقع المشكلة ونأخذ الإجراء المناسب بشأنها لتجنب المشكلة قبل حدوثها، والحد من سلبياتها وخطورتها، وفي ذلك تتبين أهمية اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة تأهيل المناطق المحروقة والإجراءات الواجب اتخاذها لتجنب حصول الحرائق مستقبلاً”في مناطق أخرى.
كارثة بيئية
ويؤكد خبراء بيئة أن الحرائق موسماً بعد آخر، تساهم في خسارة واحدة من أغنى ثرواتنا الطبيعية، ولاسيما الغابات التي تعد المتنفس الوحيد كونها رئة سوريا الخضراء، والتي تضم أنواعاً من الأشجار مثل الصنوبر، السنديان، الكينا، والزيتون البري، والتي تلعب دوراً مهماً في حفظ التربة، وتوفير الرطوبة، وتنقية الهواء، كما أن غياب الاستجابة والتخطيط البيئي واحدة من أبرز مشكلات التعامل مع حرائق الغابات، إذ الافتقار إلى خطة وطنية متكاملة لمواجهة الحرائق، ومنعها، والاستجابة لها، مع أهمية سنّ قوانين صارمة بحق من يفتعل الحرائق أو يعتدي على الغابات، وبالتالي فإن حرائق الغابات في سوريا ليست مجرد حرائق صيفية، بل كارثة بيئية وإنسانية مزمنة تتفاقم تباعاً مع غياب الحلول المناسبة، وتعدد الأسباب والعوامل، وبالتالي فإن إعادة الاعتبار للبيئة بجميع المقاييس أمر واجب وضروري، وهذا ليس من باب أي رفاهية، بل ضرورة ملحّة تفرض نفسها واقعاً ومعنى من أجل مستقبلٍ بيئي آمن ومستدام للجميع.