الثورة – ثورة زينية:
وسط أزقة وأرصفة ضيقة في الأسواق الشعبية بدمشق، تتكرر المشاهد نفسها.. زحام شديد، نقص واضح في الخدمات وأسعار متزايدة تؤثر على حياة المواطنين اليومية، ورغم أن الأسواق الشعبية تعد شرياناً اقتصادياً مهماً لشريحة واسعة من المواطنين، إلا أن واقعها الحالي يكشف عن ضعف شديد في التنظيم وغياب مقومات الخدمة الأساسية.
هذه الأسواق التي كانت ملاذاً للمواطنين من ذوي الدخل المحدود، تواجه اليوم تحديات عدة تفاقمت مع مرور الوقت، ما يجعلها نقطة ضعف في البنية الخدمية للعاصمة.
إن أزمة الأسواق الشعبية في دمشق تتجاوز الجانب الاقتصادي، لتلامس أبعاداً تنظيمية واجتماعية وخدمية، فالمكان الذي يفترض أن يكون ميسراً ومفتوحاً أمام الفقراء، بات بيئة غير صالحة لممارسة أبسط مظاهر الحياة اليومية، بسبب ضعف الإدارة وغياب التخطيط.
نقص في أبسط الخدمات
على الرغم من كثافة الحركة اليومية في أسواق مثل باب سريجة، الزبلطاني، والميدان والشيخ سعد، وسوق الهال في شارع الثورة، إلا أن غياب التنظيم يجعل هذه الأماكن تعاني من نقص في أبسط الخدمات، مثل النظافة وتوفير حاويات القمامة، وإنارة الشوارع، وحتى مرافق الصرف الصحي، إذ يعاني المتسوقون من ارتفاع الأسعار التي لا تتناسب مع جودة الخدمات المقدمة، بالإضافة إلى ازدحام البسطات العشوائية التي تعيق حركة السير وتسبب اضطرابات بين الباعة والمواطنين.
صحيفة الثورة التقت عدداً من المواطنين خلال تواجدهم في بعض تلك الاسواق للوقوف على واقعها الحالي..
نبيلة بهنسي من سكان حي القنوات، تقول: أضطر إلى القدوم لسوق باب سريجة رغم الظروف الصعبة، لأن الخيارات محدودة والأسعار في المحال الكبيرة مرتفعة جداً، لكن الفوضى هنا تجعل التسوق متعباً، وأشعر أن الخدمات شبه معدومة.
ربيعة دوه جي، ربة منزل من كفرسوسة، تقول: أتردد على سوق باب سريجة بشكل يومي لشراء احتياجات المنزل، إذ تبقى الأسعار هنا أقل مقارنة بالمحال التجارية الكبيرة، ومع ذلك فإن ظروف السوق مزعجة للغاية، فالازدحام شديد، والتنقل مع الأطفال أمر بالغ الصعوبة، كما أن المرافق العامة تكاد تكون معدومة والنظافة حدّث ولا حرج، وللأسف وكأن هذه الأسواق ليست ضمن أولويات الجهات المسؤولة!.
التنظيم غائب
جميل دوماني، مهندس متقاعد من حي الميدان: أزور السوق الشعبي أسبوعياً لتأمين احتياجاتي، لكن الأمر يزداد صعوبة في كل مرة، فالاكتظاظ شديد والتنظيم غائب والأسعار في ارتفاع مستمر، فضلاً عن غياب أبسط الخدمات العامة كدورات المياه النظيفة، أو حتى مقاعد للاستراحة من عناء التجول في السوق.
مضيفاً: إن غياب التنظيم ونقص الخدمات لا يؤثران فقط على تجربة التسوق، بل ينعكسان مباشرة على جودة حياة الناس وصمودهم في وجه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، من هنا، يتحتم على المعنيين وضع خطط عاجلة وشاملة تضمن توفير بيئة أفضل لهذه الأسواق، ليتمكن المواطن من العيش بلا معاناة وسط ظروف معقدة ومتغيرة.
ماجد النجم، موظف متقاعد من حي الدويلعة، يعبر عن إحباطه من وضع هده الأسواق: أعتمد على الأسواق الشعبية بسبب ضعف دخلي، لكنني أجد نفسي مضطراً للتسوق في ظروف سيئة، فالأسعار غير مستقرة، والسوق مزدحم، ولا توجد مرافق عامة أو إشارات تنظيمية واضحة، مضيفاً: التسوق في السوق الشعبي لم يعد خياراً اقتصادياً بل عبئ يومي إضافي.
وفيما يخص الباعة فيواجهون تحديات من نوع آخر، فهم يعانون من ضعف التنظيم وانعدام الدعم الرسمي، ما ينعكس سلباً على قدرتهم على الاستمرار وتوفير سلع بأسعار مناسبة.
سميح باجي، بائع خضار في سوق الزبلطاني منذ ١١ عاماً، يروي تجربته: نعمل في هذه السوق منذ سنوات طويلة، لكننا نشهد تدهوراً سريعاً في التنظيم والخدمات، فلا توجد أماكن مخصصة لنا، ودائماً في حالة “كر وفر” مع عناصر شرطة المحافظة التي لا تفكر لنا ببدائل مناسبة، ونجبر على دفع غرامات متكررة وجلّ ما نريده مساحة نعمل فيها لنكسب لقمة عيشنا بعرق جبيننا.
بحاجة إلى خطط تنظيمية متكاملة
أحد المعنيين في مديرية الأملاك بمحافظة دمشق، فضل عدم ذكر اسمه، أكد أن العمل لتنظيم هذه الأسواق يتم حالياً ضمن إمكانيات محدودة، مشيراً إلى أن هذه الأسواق بحاجة إلى خطط تنظيمية متكاملة تشمل تطوير البنية التحتية، وفرض رقابة على الأسعار، وتحسين الخدمات الأساسية، موضحاً: هناك ضغط سكاني مرتفع، وانتشار واسع للبسطات غير المرخصة، ما يصعّب مهمة التنظيم، كما أن الموارد البشرية والمالية لا تكفي لتغطية جميع النقاط في الوقت ذاته.
وأضاف: نأمل بتحسين التنسيق بين الجهات المعنية، وتوعية الباعة والمواطنين للمساهمة في الحفاظ على نظام السوق، مؤكداً أن أي حل فعلي يجب أن ينطلق من إعادة النظر في البنية التنظيمية لهذه الأسواق، وضرورة تخصيص مساحات مناسبة للبائعين، مع فرض رقابة متوازنة تهدف إلى الضبط والتيسير.
في نهاية المطاف.. تبقى الأسواق الشعبية في دمشق قلب الحياة اليومية للكثير من الأسر، لكنها بحاجة ماسة إلى استجابة فعلية من الجهات المختصة، إن الأسواق الشعبية في دمشق ليست مجرد أماكن للبيع والشراء، بل فضاءات تعكس الواقع المعيشي والاقتصادي لأغلبية الناس لذا، فإن إهمالها لا يعد تقصيراً خدمياً فحسب، بل تجاهل للمواطن وحقه في بيئة تليق به.
تظل الأسواق الشعبية في العاصمة مرآة حقيقية لحياة المواطن البسيط، لكنها بحاجة ماسة إلى دعم ومتابعة جادة لتتحول من معاناة يومية إلى فضاءات منظمة وآمنة تلبي احتياجات الجميع.
وفي ظل التحديات الاقتصادية والمعيشية التي تشهدها البلاد، يصبح من الضروري على الجهات المعنية وضع خطة متكاملة لتنظيم هذه الأسواق، بما يضمن استمرارها كمصدر رزق ومعيشة، من دون أن تبقى عبئاً يومياً على البائع والمستهلك معاً.