الثقافة المؤسسية وحب العمل.. رافعة بناء سوريا بعد التحرير

الثورة – هنادة سمير:

لم يعد الحديث عن إعادة الإعمار في سوريا بعد التحرير مقتصراً على الأبنية والجسور والمصانع، بل امتد إلى إعادة بناء الإنسان وتعزيز منظومة القيم التي تحكم سلوكه في الحياة العامة والمؤسساتية، فالمؤسسات الناجحة لا تقوم على البنية التحتية والتشريعات وحدها، بل على ثقافة مؤسسية متينة تجعل من حب العمل والانضباط والمسؤولية قيماً يومية وليست مجرد شعارات.
في مرحلة ما بعد الحرب، بدت الحاجة ملحة لإعادة صياغة العلاقة بين المواطن ومكان عمله على أسس جديدة تُعيد الثقة وتزرع الانتماء.

هوية المؤسسات وروحها

يبين الباحث في الإدارة العامة علاء القاسم أن الثقافة المؤسسية ليست مجرد تعليمات مكتوبة في لوائح إدارية بل هي منظومة قيم وسلوكيات تحدد كيف يتعامل الموظفون مع بعضهم، ومع مهامهم، ومع جمهورهم، مشيراً في حديثه لصحيفة الثورة إلى أن هذه الثقافة تراجعت في سوريا خلال سنوات الحرب الطويلة بسبب الانقسامات والظروف الاقتصادية، ما انعكس على أداء كثير من المؤسسات.
وأضاف: اليوم أصبح تعزيز الثقافة المؤسسية أولوية، لأن بناء مؤسسات حديثة لا يتحقق بمجرد تغيير الهياكل أو إصدار تشريعات، بل عبر غرس قيم العمل الجماعي، الشفافية، والمساءلة.
ويرى القاسم أن تجربة الحرب غيّرت الكثير في الوعي العام بعد أن بقي “حب العمل” مجرد شعار يتردد في الخطابات الرسمية أكثر من كونه ممارسة واقعية، فشباب كثر شاركوا في أعمال تطوعية لإغاثة المحتاجين أو تنظيف الشوارع المدمرة، وآخرون عادوا إلى مدارسهم ومؤسساتهم بروح جديدة بعد التحرير، كل هذه النماذج تعكس إدراكاً متزايداً أن العمل ليس مجرد وسيلة للرزق، بل فعل انتماء ومشاركة في بناء وطن ينهض من تحت الركام، موضحاً أن حب العمل، في السياق الجديد، يعني أن يؤدي الموظف مهمته عن قناعة داخلية أن جهده له أثر مباشر في اعادة إعمار بلده أو في تحسين حياة الآخرين ليس لأنه مجبر على ساعات دوام، وهنا يظهر الفارق بين أداء روتيني محدود، وبين أداء نابع من إحساس بالمسؤولية والالتزام.

دور الدولة والقطاع الخاص

ويؤكد أن إرساء ثقافة مؤسسية جديدة في سوريا يحتاج إلى جهد مزدوج من الدولة والقطاع الخاص، فعلى مؤسسات الدولة أن تتجاوز إرث البيروقراطية، وتعيد صياغة بيئتها الداخلية لتغرس قيماً حديثة مثل الشفافية، العدالة، وتكافؤ الفرص، فما نحتاجه اليوم ليس موظفاً يحضر في الساعة الثامنة ويغادر في الثانية، بل موظف يشعر أن وجوده له قيمة، وأن عمله مقدّر وأنه شريك في الإنجاز، أما القطاع الخاص، فله دور لا يقل أهمية، إذ يقع على عاتقه تدريب الكوادر وابتكار أساليب تحفيز جديدة تعزز الانتماء للمؤسسة، ولدينا امثلة كثيرة من شركات ناشئة ظهرت في السنوات الأخيرة وتمكنت من تقديم نماذج لثقافة عمل مرنة تعتمد على العمل بروح الفريق، وتقدير المجهود الفردي، وإعطاء مساحة للإبداع.
ويمكن لهذه التجارب أن تصبح نموذجاً يحتذى به في مؤسسات أوسع نطاقاً.
لكن الطريق أمام بناء ثقافة مؤسسية راسخة في سوريا ليس سهلاً، كما يبين القاسم، فما زالت عقبات كبيرة تعترض هذا المسار، منها البيروقراطية التي تعرقل إنجاز أبسط المعاملات وتضعف روح المبادرة، إضافة إلى ضعف الرواتب والمحفزات، ما يجعل كثيراً من الموظفين يبحثون عن عمل إضافي أو يفقدون الحافز الأساسي للإنتاج، ومنها غياب أنظمة تقييم عادلة للأداء، ويشعر المجتهد والمقصر أحياناً بأنهما سواء في التقدير، هناك أيضاً مقاومة التغيير من قبل بعض الإدارات أو الموظفين الذين اعتادوا على نمط روتيني طويل الأمد، فمجمل هذه التحديات تجعل من الضروري تبني خطة شاملة لا تكتفي بالشعارات، بل تقدم حلولاً عملية قابلة للتنفيذ.

خطوات عملية نحو التغيير

ولترسيخ ثقافة مؤسسية قائمة على حب العمل هناك خطوات عملية كما يبين القاسم، منها إطلاق برامج تدريبية مستمرة تركز على القيادة وروح الفريق ووضع أنظمة تقييم عادلة تكافئ المجتهدين، كذلك تعزيز التواصل الداخلي ليشعر الموظف أنه شريك في القرار، وتوفير حوافز مادية ومعنوية، من المكافآت إلى التقدير العلني، وكذلك نشر قصص النجاح لتصبح نماذج ملهمة.
ويوضح القاسم أن الثقافة المؤسسية لا تفرض بالقوانين واللوائح، بل تبنى بالممارسة اليومية والقدوة الحسنة، فحين يرى الموظف أن مديره ملتزم بالقيم نفسها التي يطلبها منه، تبدأ الثقافة الجديدة بالتجذر.

بيئة محفزة

وتشير الخبيرة الاجتماعية والتنموية سوسن السهلي إلى أن حبّ العمل يحتاج إلى بيئة عادلة ومحفزة، فإذا شعر الموظف أن جهده غير مقدر فلن يكون قادراً على تقديم أفضل ما لديه مهما كثرت الشعارات.

عدد من المواطنين عبروا عن آرائهم حول حب العمل، وتحدثت ندى الأشقر عن تجربتها بعد عودتها إلى عملها في مؤسسة الكهرباء فتقول: خلال السنوات الماضية فقدنا شعورنا بالانتماء الى مكان العمل أو جدوى ما نقوم به، لكننا اليوم نشعر أن كل مجهود نقوم به يسهم ولو بشكل بسيط في إعادة بناء وطننا وإيصال الخدمات إلى أهالينا في كل مكان.
وقال سليم شعبان، وهو شاب شارك في مبادرات تطوعية: تعلمت أن العمل ليس مجرد وظيفة، بل هو جهد نضعه لنبني وطننا الذي نحبه لبنة لبنة، ونبذل لأجل رفعته كل ما نستطيع.
الثقافة المؤسسية وحب العمل ليسا مجرد شعارات، بل هما حجر الأساس لنهضة سوريا بعد التحرير، فحين يقتنع الموظف أن عمله جزء من إعادة بناء وطنه، تتحول المكاتب والمعامل والورش إلى ورشات حياة، ويصبح كل جهد فردي لبنة في صرح جماعي أكبر.

آخر الأخبار
معركة الماء في حلب.. بين الأعطال والمشاريع الجديدة تأهيل طريق مدينة المعارض استعداداً للدورة ٦٢ لمعرض دمشق الدولي التوجه إلى التمكين… "أبشري حوران".. رؤية استثمارية تنموية لإعادة بناء المحافظة السيطرة على حريق شاحنة في  حسياء  الصناعية تفاصيل مراسيم المنقطعين والمستنفدين وتعليماتها بدورة تدريبية في جامعة اللاذقية الكيماوي… حين صارت الثقافة ذاكرة الدم  واشنطن في مجلس الأمن: لا استقرار في سوريا من دون عدالة ومشاركة سياسية واسعة  " التلغراف ": الهيئة الدولية المسؤولة عن مراقبة الجوع بالعالم ستعلن للمرة الأولى "المجاعة" في غزة ضبط لحوم فاسدة في حلب وتشديد الرقابة على الأسواق تنظيم سوق السكن في حلب والعمل على تخفيض الإيجارات "المجموعة العربية في الأمم المتحدة": وحدة سوريا ضمانة حقيقية لمنع زعزعة الاستقرار الإقليمي بين الهجوم والدفاع.. إنجازات "الشيباني" تتحدى حملات التشويه الإعلامي منظمة يابانية: مجزرة الغوطتين وصمة لا تزول والمحاسبة حق للضحايا مندوب تركيا في الأمم المتحدة: الاستقرار في سوريا مرهون بالحكومة المركزية والجيش الوطني الموحد بيدرسون يؤكد ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها ورفض الانتهاكات الإسرائيلية الشيباني يبحث مع الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين تعزيز التعاون صحيفة عكاظ :"الإدارة الذاتية" فشلت كنموذج للحكم و تشكل تهديداً لوحدة واستقرار سوريا قرى جوبة برغال بالقرداحة تعاني من أزمة مياه حادة "نقل وتوزيع الكهرباء" تبحث في درعا مشروع "الكهرباء الطارئ" في سوريا في ذكرى مجزرة الكيماوي .. المحامي أحمد عبد الرحمن : المحاسبة ضرورية لتحقيق العدالة