الثورة – جهاد اصطيف:
لم يعد اقتراب العام الدراسي في حلب مناسبة تحمل الفرح للأسر والأطفال كما في السابق، بل صار مرادفاً لزيادة الأعباء المادية والبحث المضني عن أرخص الأسعار لتجهيز الطلاب، بين دفاتر وحقائب وقرطاسية وألبسة مدرسية، تتحول فرحة العودة إلى المدارس إلى “صداع اقتصادي”، يتجدد كل عام.
هذا الواقع دفع مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى تكثيف جولاتها الرقابية على المكتبات المدرسية ومحال بيع المستلزمات، في محاولة لضبط الأسعار ومنع حالات الاحتكار والاستغلال، إلا أن السؤال الذي يطرحه المواطنون اليوم: هل تكفي هذه الحملات لضمان عدالة الأسعار؟
تفاوت الأسعار يربك الأهالي
خلال جولة ميدانية على عدد من المكتبات المدرسية في حلب، بدا المشهد واضحاً، تفاوت أسعار يتراوح بين 10و 20 بالمئة بين محل وآخر، وفارق كبير بين المنتجات المحلية والمستوردة.
تقول هبة.أ، وهي أم لخمسة أبناء: في كل عام نصرف ما يعادل الراتب الشهري مرتين فقط لتأمين مستلزمات المدرسة، وهذا العام ليس استثناء، اشتريت حقيبة لابني الأصغر بـ 180 ألف ليرة سورية، بينما في محل آخر وجدت حقيبة مشابهة بـ 120 ألفاً فقط، لا نعرف ما هو السعر الحقيقي ولا كيف نفرق بين الغالي والمقبول .
في المقابل، يوضح عمر.ك، صاحب مكتبة قرطاسية: الناس تلومنا نحن الباعة، لكن المشكلة الأساسية في التكلفة، أسعار المواد الأولية والدفاتر والأوراق ترتفع بحسب سعر صرف الدولار، يضاف إليها أجور النقل، صحيح أن هناك تفاوتاً بين المحال، لكن السبب يعود إلى اختلاف المورّدين وجودة البضاعة.
الرقابة.. تحديات كبيرة
مديرية التجارة الداخلية في حلب تؤكد، في بيانها، أن حملاتها الرقابية مستمرة يومياً، وتشمل التدقيق في الفواتير والإعلان عن الأسعار ومطابقتها للنشرات الرسمية.. وأن هذه الحملات مستمرة يومياً لضمان وصول المستلزمات المدرسية إلى الأهالي والطلاب بأسعار عادلة، ومنع أي حالات استغلال أو احتكار في الأسواق.
عبء مضاعف
فيما الأسر السورية، وخصوصاً من ذوي الدخل المحدود، تجد نفسها أمام معادلة صعبة، إما شراء المستلزمات بالحد الأدنى أو حرمان بعض الأبناء من الجديد.
تقول سلمى.أ، أم لثلاثة طلاب: جهزت ابنتي الكبرى فقط بمستلزمات جديدة، أما ابني الأوسط فأعطيته حقيبة أخته القديمة، والصغير سيستخدم دفاتر العام الماضي، لم يعد بوسعنا الشراء لكل الأولاد.. تقديرات تشير إلى أن تكلفة تجهيز طالب واحد بالحد الأدنى “حقيبة، ودفاتر، وأقلام، ولباس مدرسي”، قد تصل إلى ما يعادل راتب شهر كامل لموظف حكومي، وهو ما يجعل الكثير من الأسر أمام خيارات مؤلمة.
التجار.. بين التكلفة والرقابة
يؤكد عدد من أصحاب مكتبات القرطاسية أن الرقابة ضرورية، لكنها يجب أن تراعي الظروف، فالتاجر الصغير يشتري بضاعته بأسعار مرتفعة من الموردين، وإذا باع بالسعر الرسمي يتعرض للخسارة، مضيفين: يجب أن يكون هناك دعم حقيقي للتاجر ليستطيع البيع بسعر مناسب، نحن أيضاً متضررون، فالمستهلك لم يعد يشتري كما في السابق، وحجم المبيعات تراجع كثيراً.
تأثير الغلاء على العملية التعليمية
لا يتوقف أثر الغلاء عند حدود الأعباء الاقتصادية، بل يمتد إلى العملية التعليمية نفسها، بعض الطلاب يذهبون إلى المدرسة من دون كامل المستلزمات، ما يؤثر على تحصيلهم. آخرون يضطرون لاستخدام دفاتر رديئة الجودة أو أدوات قديمة، ما يضعهم في موقف محرج أمام زملائهم .
الفارق بين الطلاب الميسورين والطلاب الفقراء يزداد وضوحاً، وهو ما يهدد مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم.
يبين أحد المعلمين: أنهم يلاحظون أن بعض الطلاب لا يملكون دفاتر لكل المواد، فيكتبون أكثر من مادة في دفتر واحد، هذا يربكهم ويؤثر على تنظيمهم الدراسي.
معركة سنوية متجددة
مع كل موسم دراسي، تتجدد المعركة بين الأهالي ومحال القرطاسية، وبين الرقابة والباعة، وبين الحاجة والقدرة، حملات مديرية التجارة الداخلية مهمة وضرورية، لكنها وحدها لا تكفي لحل الأزمة.
المطلوب مقاربة شاملة تتضمن دعم الإنتاج المحلي، ضبط الاستيراد، وتقديم مساعدات مباشرة للأسر الأكثر حاجة.
ويبقى الطالب السوري في النهاية هو الحلقة الأضعف، بين رغبة في التعلم وطموح للمستقبل، وبين واقع اقتصادي يفرض على الأسرة حسابات دقيقة عند شراء قلم أو دفتر.