الثورة – علا محمد:
وردت إلى صحيفة الثورة شكوى جماعية من طلاب الرقة “جامعة الفرات” المستضافين في جامعة حلب، عبروا فيها عن أوجاعهم المتراكمة منذ أكثر من ثماني سنوات، مطالبين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بإنهاء نظام الاستضافة المؤقتة الذي طال أمده، وإيجاد حل عادل ينصف آلاف الطلبة الذين أنهكتهم الظروف.
خلفية القضية
منذ الرابع من آذار عام 2013، تاريخ خروج محافظة الرقة عن سيطرة النظام البائد، أُوقف الدوام في كلياتها كافةً بقرار رسمي من وزارة التعليم العالي، آنذاك، لتبدأ معاناة الطلاب في البحث عن مقاعد بديلة لمتابعة تعليمهم.
لاحقاً، ومع تعقد المشهد بعد دخول تنظيم (داعش)، لجأت الوزارة إلى سياسة الاستضافة، فسمحت لطلاب الرقة بالدوام في الجامعات الأخرى، لكن شهاداتهم بقيت تصدر عن جامعة الفرات، المقر الرئيسي في دير الزور.
وفي عام 2016 – 2017 صدر مرسوم رئاسي قضى بـتوطين الطلاب بشكل استثنائي، إذ جرى اعتماد تخرجهم من الجامعات المستضيفة مباشرة، لكن هذا القرار لم يستمر طويلاً، إذ أعادت الوزارة فتح باب الاستضافة مجدداً عام 2018، ومنذ ذلك الحين بقي أكثر من 4000 طالب رهائن لهذا النظام، في وقت تعاني فيه كليات الرقة، كالهندسة الزراعية، المدنية، الصيدلة، العلوم، التربية، والآداب من دمار شبه كامل.
وجع مشترك
في قاعات جامعة حلب وأروقتها، يتوزع طلاب الرقة وكأنهم غرباء في بيت مؤقت، أصواتهم تتشابه، همومهم تتكرر، لكن لكل واحد منهم روايته الخاصة، بعضهم رواها لصحيفة “الثورة” ما يعكس حجم المعاناة.
الطالب عبد السلام الحسين، في سنته الرابعة بقسم اللغة العربية، بدا وكأنه يحسب السنوات المهدورة أكثر من المواد التي يدرسها، قال لصحيفة الثورة بصوت يملؤه الأسى: “سيستغرق تخرجي سبع سنوات بدلاً من خمسة، فقط لأنني طالب مستضاف، كما سأدرس عشر مواد إضافية، وأنتظر عاماً آخر حتى أصل إلى مصدقة التخرج، هل يُعقل أن أخسر مستقبلي لأن خطط الجامعات لا تتطابق؟ “وفي المقابل، ترفع الطالبة رحاب علي الأحمد من كلية العلوم- قسم الكيمياء، صوتها لتؤكد أن اختلاف الخطة الدراسية لا يترك أمامها خياراً سوى دراسة ثمانية مقررات إضافية، تضيف: “إلى جانب ذلك أواجه أعباء التنقل والسفر وتكاليف تثقل كاهلي، أريد فقط أن أُعامل كطالبة حلبية، أن أتخرج من جامعتي التي أدرس فيها” كلماتها هذه توافقت مع ما روته الطالبة هنادي طه العجيل، التي تحدثت عن عدد كبير من المواد الإضافية، ومصاعب مالية ومعيشية تجعل من حلم التخرج مجرد سباق طويل مع الإرهاق.
أما الطالب مالك الحمود، من كلية العلوم- كيمياء، فقد عبر عن شعور آخر يلاحق الطلبة ألا وهو “التفرقة”، وقال: “أدرس أربع سنوات في حلب، لكن شهادتي ستصدر من الفرات، نُعامل دوماً كطلاب درجة ثانية، لا يُسمح لنا بكشف علامات، ولا نشعر أننا جزء من الحياة الجامعية، علاماتي تخرج متأخرة، والاهتمام بنا أقل دائماً”.
ومن كلية الزراعة، يروي الطالب عبد اللطيف الموزي أنه يواجه سنوياً معركة مع مواد إضافية تصل إلى ثماني مقررات، لا تُحسب له في نظام الاستضافة. والطالبة شمسة وليد الإسماعيل، زميلته في نفس الكلية، أعادت نفس الشكوى مع تفاصيل يومية: “أتنقل من قريتي إلى حلب، وأعود مثقلة بالديون والتعب، وفي النهاية يقال لي إن شهادتي ستبقى باسم جامعة الفرات، لماذا لا أُثبت هنا حيث أتعلم؟
“الطالبة إسراء الحميد تحدثت عن الألم بلغة أكثر مرارة: “بعد أن أنهي مقررات جامعة حلب، سأُجبر على العودة لدير الزور لتقديم مقررات إضافية، أي منطق هذا؟ هل أعيش سنوات الدراسة مرتين؟
“أما الطالب إسماعيل صالح المحمد البكار من كلية الصيدلة، أوجز مطلبه بوضوح: “تعبنا كطلاب حلب ودرسنا مثلهم، فلماذا شهادتنا لا تُعتمد من هنا؟ هل يُعقل أن يُحرم طالب الصيدلة من حلم الدراسات العليا بسبب كلمة – مستضاف؟”.
الطالبة تسنيم محمد الخنجر من كلية الهندسة الزراعية، والطالبة دلال محمد السلامة من قسم الرياضيات، لم تختلف معاناتهما عن البقية، فكلتاهما تحدثت عن ثماني مواد إضافية لا تُحتسب، وعن تكاليف ترهق الأسرة، وعن خوف من مستقبل يضيع في تفاصيل البيروقراطية.
أصوات متعددة، لكن القاسم المشترك بينها واحد، أملٌ بقرار استثنائي ينهي سنوات الاستضافة الطويلة، إما عبر التوطين في جامعة حلب أو بالتحويل المماثل من دون قيود معقدة.
البيان الجماعي
وقد حصلت صحيفة الثورة على نسخة من بيان وقعه أكثر من أربعة آلاف طالب وطالبة من أبناء الرقة المستضافين في الجامعات الحكومية الأخرى، جاء فيه:
“نحن طلاب الرقة – جامعة الفرات، وبعد أكثر من ثماني سنوات من نظام الاستضافة، نناشد وزارتنا “وزارة التعليم العالي” أن تُنهي هذا الوضع المؤقت الذي طال أمده، عبر تثبيت توطيننا الجامعي، وإن كان قرار التوطين مستحيلاً، فإننا نقترح الحل الأمثل لإنهاء معاناتنا: السماح بالتحويل المماثل إلى الجامعة المستضافة من دون التقيد بقواعد النقل والتحويل التقليدية، نطالب بقرار استثنائي للعام الدراسي 2025- 2026 يضمن تسوية أوضاعنا الأكاديمية، ويخفف عنا أعباء التنقل والسفر والتكاليف المادية والنفسية التي تؤثر بشكل مباشر على تحصيلنا العلمي ومستقبلنا”.
رد الوزارة
ولدى تواصل “الثورة” مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أكّد المكتب الإعلامي أن ملف طلاب الرقة لا يزال قيد الدراسة في أروقة الوزارة، بانتظار استكمال الإجراءات اللازمة لاتخاذ القرار المناسب، دون تحديد إطار زمني واضح لحسم هذه القضية.
يبقى طلاب الرقة في الجامعات السورية الأخرى عالقين بين قرارات مؤقتة ووعود مؤجلة، فيما يتطلعون إلى حل جذري ينهي استضافتهم الطويلة، ويمنحهم حقهم الطبيعي في التعليم الجامعي المستقر.