المياه الجوفية.. كنز مهدور في زمن العطش

الثورة – هبه علي:

تواجه سوريا أزمة مياه حادة.. ليس فقط نقص الأمطار بل تصل إلى استنزاف مواردها المائية (المياه الجوفية)، فهذه الثروة الحيوية – والتي تشكل ركيزة أساسية للأمن المائي والغذائي- تتعرض اليوم لخطر الانهيار بسبب ممارسات غير مستدامة وتحديات عميقة.

 

استنزاف

تناولت الباحثة الاقتصادية نورهان الكردي في حديثها لصحيفة الثورة هذا الموضوع وأشارت إلى أن المياه الجوفية في سوريا تشكل أحد أعمدة الأمن المائي والغذائي، فهي تغذّي نحو 60 بالمئة من الاحتياجات الزراعية، وقرابة 40 بالمئة من مياه الشرب، وتعتبر مخزوناً استراتيجياً في بلدٍ شبه جاف يعاني من أزمة حادة في المياه.

وبينت أن المياه الجوفية تعد أكثر استقراراً نسبياً من المياه السطحية، لأنها تخزّن تحت الأرض، كما أنها أقل عرضة للتبخر في مناخ شبه جاف، كالمناخ السوري، ونوعيتها غالباً أفضل للشرب مقارنة بالأنهار الملوثة، أما المياه السطحية فترتبط مباشرة بتقلبات المناخ والأمطار، وتتأثر بالاتفاقيات الدولية وتكون معرضة للتلوث السريع نتيجة الصرف الصناعي والزراعي.

وأشارت الباحثة الكردي أنه اليوم، تقف سوريا أمام أزمة عطش حقيقية، فالمياه الجوفية تتراجع بمعدلات مقلقة نتيجة:

1- الحفر غير المنظم لآلاف الآبار، وخاصة في ريف دمشق والغوطة الشرقية، من دون تراخيص أو دراسات هيدرولوجية.

2- الاستغلال المفرط للموارد لتغطية الطلب المتزايد على الزراعة في ظل تراجع الأمطار والجفاف.

3- الغياب شبه التام للرقابة من قبل السلطات خلال فترة الثورة، مع تحوّل استخراج المياه إلى مورد اقتصادي خاص، وأحياناً غير مشروع.

4- التغير المناخي الذي زاد من حدة الجفاف وقلّص معدلات التغذية الطبيعية للمياه الجوفية.

نضوب كنز مائي

وفي هذا السياق أكدت الباحثة الكردي أن الغوطة الشرقية تتمتع بمياه جوفية غزيرة ووفيرة، وتتميز بأنها عذبة وصالحة للشرب والري، متجددة وقريبة نسبياً من سطح الأرض، ما يجعل استخراجها أقل تكلفة من مناطق أخرى.

وأشارت إلى أن نهر بردى وروافده ساعد تاريخياً في تغذية خزاناتها الجوفية، بالإضافة إلى الأمطار الموسمية والتربة الطينية التي سمحت بتخزين كميات جيدة من المياه، لافتة إلى أن خزانات الغوطة الجوفية كانت بمثابة احتياطي مائي لدمشق عند نقص المياه كما استمدّت بعض أحياء دمشق مياهها من آبار الغوطة.

وأكدت أن آلاف الآبار العشوائية حُفرت بعد عام 2011 وما زالت تحفر من قبل الأهالي أو التجار، بلا دراسات أو تنظيم، وكانت الغوطة الشرقية قد اعتمدت على المياه الجوفية خلال سنوات حصار الغوطة من 2013- 2018 ، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية المائية لأجزاء كبيرة منها.

تدهور النوعية وانكماش الزراعة

وركزت الباحثة الكردي أن المياه الجوفية في الغوطة الشرقية اليوم، ونتائج الحفر العشوائي للآبار أدى الحفر العشوائي للآبار إلى استنزاف خزان المياه الجوفية في الغوطة الشرقية بلا تعويض، لأن معدلات السحب أعلى من معدلات التغذية الطبيعية، فانخفض منسوب المياه، كما بدأ الكثير من هذه الآبار تجف، وتراجعت جودة المياه، إذ ارتفعت ملوحتها واختلطت بعض الآبار بالصرف الصحي، ما أدى إلى انكماش الرقعة الزراعية ومعاناة الأهالي من نقص مياه الشرب بينما يستفيد أصحاب الآبار الخاصة فقط.

نحو إدارة مستدامة

وتقدم الكردي عدداً من الاقتراحات الممكنة لمواجهة هذه الأزمة، ومنها:
1- إعادة تنظيم حفر الآبار عبر تراخيص دقيقة وربطها بالدراسات العلمية.

2- اعتماد تقنيات الري الحديثة لتقليل الهدر المائي.

3- إحياء شبكات الصرف وإعادة التدوير لاستخدام المياه المعالجة في الزراعة بدلاً من الاعتماد الكلي على المياه الجوفية.

4- تعزيز الوعي المجتمعي بخطر الاستنزاف وفوائد الإدارة الجماعية للمورد.

5- إطلاق مشاريع تحلية وإمداد بديلة لتخفيف الضغط عن الخزان الجوفي.

6- شراكة دولية لدعم سوريا في إدارة مواردها المائية ضمن إطار الانتقال وإعادة الإعمار.

وخلصت الكردي إلى أن ما يجري اليوم من أزمة مياه في سوريا ليس مجرد خلل تقني، بل تهديد مباشر للأمن المائي والاقتصادي والاجتماعي في سوريا، فالمياه الجوفية ليست مورداً محلياً فقط، بل هي أساس الاستقرار في مرحلة إعادة البناء، وضمان بقاء الريف منتجاً ومرتبطاً بالمدينة. “أزمة المياه الجوفية في سوريا ليست مجرد قضية تقنية، بل هي تهديد مباشر للأمن القومي بمجالاته المائية والاقتصادية والاجتماعية، ويجب العمل على استعادة التوازن في استغلال هذا المورد الحيوي، من خلال إدارة حكيمة وتعاون مجتمعي ودعم دولي.. وهو مفتاح ضمان استقرار سوريا وقدرتها على إعادة البناء والإنتاج.

آخر الأخبار
توسيع العملية العسكرية في غزة.. إرباكات داخلية أم تصدير أزمات؟. "الذكاء الاصطناعي" .. وجه آخر  من حروب الهيمنة بين الصين و أميركا الجمعية السورية لرعاية السكريين.. خدمات ورعاية.. وأطفال مرضى ينتظرون الكفلاء مدارس الكسوة والمنصورة والمقيليبة بلا مقاعد ومياه وجوه الثورة السورية بين الألم والعطاء يطالبون بتثبيت المفصولين.. معلمو ريف حلب الشمالي يحتجّون على تأخر الرواتب تقصير واضح من البلديات.. أهالٍ من دمشق وريفها: لا صدى لمطالبنا بترحيل منتظم للقمامة ماذا لو أعيد فرض العقوبات الأممية على إيران؟ "زاجل" متوقف إلى زمن آجل..مشكلة النقل يوم الجمعة تُقّيد حركة المواطنين في إدلب وريفها الدولة على شاشة المواطن..هل يمكن أن يرقمن "نيسان 2026" ثقة غائبة؟ تعزيز الشراكة السورية- السعودية في إدارة الكوارث بين الآمال والتحديات.."التربية" بين تثبيت المعلمين وتطوير المناهج "العودة إلى المدرسة".. مبادرة لتخفيف الأعباء ودعم ذوي الطلاب "بصمة فن" في جبلة.. صناعة وبيع الحرف اليدوية إسرائيل تبدأ هجوماً مكثفاً على غزة المشاريع السعودية في سوريا.. من الإغاثة الإنسانية إلى ترسيخ الحضور الإقليمي أجهزة إنارة بالطاقة الشمسية في "أم باطنة" بالقنيطرة يعزز ارتباط الطلاب بوطنهم..التعليم الافتراضي لدمج التكنولوجيا بالتربية والتعليم "اليوغا".. رحلة روحية تزرع السلام الداخلي "وزارة الحرب" والرمزية التاريخية للتسمية.. استدعاء الماضي لتبرير الحاضر