الثورة – عبد الحميد غانم:
تشهد منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط أخطر موجة جفاف منذ عقود، كما أكدت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على سوريا التي تعاني أزمة حادة تتمثل في ندرة المياه وتراجع الإنتاج الزراعي.
إذ تواجه سوريا جفافاً متكرراً أدى إلى جفاف الأنهار والبحيرات، وتَذَبُل المحاصيل الزراعية، إضافة إلى انقطاعات متكررة في مياه الشرب ضمن المدن الكبرى. فكيف أثر الجفاف على قطاع الزراعة محلياً؟.. وما هي التحديات وكيفية المواجهة؟.
الجفاف وتأثيره
وضمن هذا السياق يقول الخبير في شؤون المياه والري، المهندس نادر البني: إن قطاع الزراعة يعد الأكثر استهلاكاً لموارد المياه في سوريا، بنسبة تتجاوز 80 بالمئة، مشيراً إلى أن الجفاف المتكرر يتسبب في انخفاض خطير بمعدلات هطول الأمطار، فقد بلغت نسبة الهطول في الموسم الهيدرولوجي 2024- 2025 أقل من 30 بالمئة من المعدل السنوي المعتاد.
وأضاف: إن هذا النقص تسبب في تقلص مخزون السدود، وانخفاض مناسيب المياه الجوفية والينابيع. وأشار البني في تصريح لـ”الثورة” إلى أن الدراسات الدولية تؤكد تأثر منطقة الشرق الأوسط سلباً بتغير المناخ، مما يجعل هطول الأمطار غير متوقع من حيث الشدة والمدة.
ولفت إلى أن الجفاف المتكرر له عواقب شديدة على الموارد المائية والقطاعات الاقتصادية المعتمدة عليها، خاصة مع تراجع تدفق نهري الفرات ودجلة، واستنزاف المياه الجوفية، إضافة إلى خروج نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية المروية عن الخدمة بسبب الحرب والهجرة. وبيّن الخبير البني أن آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية خرجت من الخدمة بسبب الحرب أو استنزاف المياه الجوفية، إضافة إلى تراجع تدفق نهري الفرات ودجلة إلى مستويات حرجة لا تتجاوز 300 متر مكعب في الثانية، فضلاً عن هجرة عدد من الفلاحين عن أراضيهم. وأشار إلى عدد من التحديات الجسيمة التي تواجه القطاع الزراعي: – استمرار الجفاف وانخفاض الأمطار، خاصة في عامي 2024- 2025.
– استنزاف مستمر لمصادر المياه الجوفية.
– تدمير الأراضي الزراعية المروية بسبب الحرب.
– تراجع تدفق مياه نهري الفرات ودجلة إلى حدود حرجة.
– هجرة الفلاحين، ما أدى إلى ترك بعض الأراضي غير مزروعة.
نقص المياه
وأكد الخبير البني أن مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في سوريا تأثرت بالجفاف، وكانت المساحة المزروعة سابقاً تبلغ نحو 1.4 مليون هكتار مروية، إضافة إلى 3 ملايين هكتار من الأراضي البعلية.
ولفت إلى أن الموسم الحالي شهد فشلاً واضحاً في الزراعة البعلية، فضلاً عن نقص حاد في كميات المياه المتاحة للري على الأراضي المروية، التي تحتاج إلى 7.9 مليارات متر مكعب من المياه السطحية و7.7 مليارات متر مكعب من المياه الجوفية لتغطية احتياجات الري.
وبسبب الحرب، فقدت سوريا نحو 30 بالمئة من الأراضي المروية، ما سيؤثر، وفقاً للخبير البني، بشدة على المحاصيل الصيفية، وسيترك أثراً اجتماعياً واقتصادياً واسع النطاق على حياة الفلاحين والدخل الوطني.
إجراءات عاجلة
وأوصى المهندس نادر البني بضرورة إعلان حالة الطوارئ وإطلاق برامج متخصصة لمعالجة أزمات الجفاف، من خلال:
– تطوير قواعد بيانات مناخية واجتماعية واقتصادية حديثة.
– تصميم وتنفيذ سياسات واستراتيجيات مستدامة لإدارة الجفاف.
– اعتماد نظم إنذار مبكر ورقابة على الموارد المائية.
– تخطيط وتنفيذ تدابير الطوارئ والإغاثة وإعادة التأهيل.
– ترشيد استهلاك مياه الري من خلال التواجد المباشر لكوادر الوزارة في حقول المزارعين.
دور الجهات المعنية
وأكد الخبير البني أن مواجهة هذه التحديات تعتمد بشكل كبير على البرامج والسياسات التي ستتبناها الهيئة العامة للموارد المائية خلال موسم الزراعة 2025-2026، وعلى التنفيذ الصارم لإدارة الأزمة، بالإضافة إلى دور وزارة الزراعة في تقديم النصح والمساعدة للفلاحين لتحقيق استخدام أفضل للمياه، بما يحفظ الموارد ويؤمن الإنتاج الزراعي.
وعليه، فإن الواقع المائي في سوريا أصبح صعباً، والجفاف لم يعد ظرفاً مؤقتاً، بل تحول إلى واقع يتطلب خطة متكاملة وحازمة لمواجهته، لأن تداعياته قد تهدد الأمن الغذائي في البلاد. وفي ظل هذه التحديات المائية والزراعية الحادة، يبقى تطوير سياسات مستدامة وإدارة فعالة للأزمة المائية أمراً حيوياً للحفاظ على الأمن الغذائي والاقتصاد الوطني في سوريا، ومن الضروري أن تتضافر جهود الجهات الحكومية والمؤسسات المختصة مع المزارعين والمجتمعات المحلية؛ لتطبيق إجراءات ترشيد استهلاك المياه، وتعزيز المرونة الزراعية، والاستعداد لمواجهة موجات الجفاف المستقبلية.