الثورة – مها يوسف:
في عالم لم يعد فيه الانغلاق ممكناً، تتصدر قضية المواطنة المشهد التربوي والاجتماعي على حد سواء، فالعصر الحاضر، كما تبين الدكتورة تهامة المعلم- أستاذة التربية وعلم النفس في جامعة طرطوس، يفرض على المجتمعات أن تعيد النظر في مفهوم المواطن ودوره، إذ لم يعد مجرد فرد يحمل بطاقة تعريف وطنية، بل شريكاً في البناء ومسؤولاً عن المشاركة، حاملاً لقيم الانتماء والحرية في آن واحد.
إلى البعد العالمي
وتوضح أن المواطنة اليوم لم تعد محلية فقط، بل امتدت إلى الفضاء العالمي، فالمواطن المعاصر يُتوقع منه أن يحترم التنوع الثقافي والديني، ويتقبل الاختلافات السياسية ويفهم ديناميكيات الاقتصاد العالمي، ويشارك في القضايا الإنسانية الكبرى، من نشر ثقافة السلام إلى إدارة الصراعات بطرق سلمية – كما ترى- هي ملامح “المواطنة الدولية” التي فرضتها العولمة وتداخل الثقافات .د. المعلم ترى أن الطريق إلى المواطنة يبدأ بأربع خطوات واضحة، هي صياغة أهداف تربوية محددة وإعداد مناهج ومقررات تدعم هذه التوجهات وتدريب المعلمين وتأهيلهم لنقل هذه القيم، وأخيراً الاستثمار في البحوث والمشروعات التي تجعل من المواطنة ممارسة عملية لا مجرد شعارات.
“مدارس بلا أسوار”
ومع ذلك تحذر المعلم من أن المدرسة وحدها لا تكفي، فهي ترى أن التربية على المواطنة تحتاج إلى انفتاح أوسع على المجتمع، عبر ما تصفه بفلسفة “مدارس بلا أسوار” أي أن يخرج الطالب من حدود الصف إلى فضاءات المجتمع ويمارس قيم المسؤولية عبر المشاركة في الجمعيات الأهلية والأنشطة التطوعية والحياة السياسية، ما يعزز لديه الشعور بالمسؤولية والانتماء.
ومن هذا المنطلق، تؤكد أن التربية على المواطنة لا تقتصر على تنشئة الطالب ليكون فرداً صالحاً فقط، بل تمتد لتجهيزه لدخول سوق العمل بكفاءة، فالقيم التي يمارسها في المدرسة والمجتمع كالعمل بروح الفريق والمشاركة الفعالة، هي ذاتها التي تمنحه القدرة على المنافسة والإبداع في المستقبل.
وتخلص د. المعلم إلى أن المواطنة الفاعلة مشروع طويل الأمد، يبدأ من المدرسة، لكنه لا ينتهي عندها.. إنه مسار يجمع بين التعليم والعمل والممارسة اليومية، ليُخرج جيلاً قادراً على مواجهة تحديات الحاضر ورسم ملامح مستقبل يليق بالوطن والإنسان معاً.