الثورة – جهاد اصطيف:
تشهد محافظة حلب منذ أسابيع حملة موسعة لمكافحة ظاهرة التسول، التي باتت تزداد بشكل ملحوظ في شوارع المدينة وأحيائها المختلفة، إذ أعلنت المحافظة عن بدء المرحلة الثانية من هذه الحملة بعد أن حققت المرحلة الأولى نتائج إيجابية ملموسة على صعيد الحد من انتشار المتسولين في الساحات العامة والشوارع الرئيسية.
خطوات تمهيدية
بدأت الحملة في مرحلتها الأولى من خلال استهداف عدد من الساحات والمناطق الحيوية التي تشهد كثافة سكانية وحركة مرورية نشطة، مثل: السبيل، جامع الرحمن، الجامعة، دوار الشرطة، دوار العمارة، دوار الصخرة، دوار الكرة، القصر البلدي، ساحة سعد الله الجابري، والحديقة العامة. وخلال هذه الجولة الأولى، تمكنت الفرق المختصة من رصد العديد من الحالات التي تنوعت بين متسولين من الأطفال وكبار السن ونساء، بعضهم يمتهنون التسول كمصدر دخل رئيسي، وآخرون دفعتهم ظروف اقتصادية أو اجتماعية قاهرة للنزول إلى الشارع. وقد تم التعامل مع هذه الحالات وفق آلية تراعي الجانب الإنساني والاجتماعي، إذ جرى نقلهم إلى مركز مكافحة التسول المخصص لمتابعة أوضاعهم، وإدماجهم في برامج رعاية وتأهيل، تهدف إلى إعادة دمجهم بالمجتمع، سواء من خلال التعليم للأطفال أو تقديم فرص تدريب مهني للبالغين القادرين على العمل.
توسع وانتشار
مع انطلاق المرحلة الثانية، توسعت الحملة لتشمل أحياء أكثر اتساعاً وكثافة سكانية، من أبرزها: العزيزية، السليمانية، الشعار، الصاخور، الميدان، الصالحين، الفردوس، صلاح الدين، الأنصاري، وسيف الدولة. وتركز هذه المرحلة على الوصول إلى الأحياء الداخلية، حيث تكثر حالات التسول بشكل غير ظاهر للعيان، وخصوصاً في الأسواق الشعبية والمناطق السكنية المكتظة. وأكد محافظ حلب، المهندس عزام الغريب، خلال تفقده مركز مكافحة التسول قبيل إطلاق المرحلة الجديدة، أن الحملة لا تستهدف فقط الحد من المظاهر السلبية في الشوارع، بل تهدف إلى معالجة الظاهرة من جذورها عبر متابعة أوضاع المتسولين وإيجاد حلول مناسبة لكل حالة. وأضاف: إن المرحلة الثانية تتميز بزيادة عدد الفرق العاملة، وتوسيع نطاق التغطية لتشمل أحياء إضافية، ما يعكس جدية الجهود الحكومية في التصدي لهذه المشكلة.
ظاهرة اجتماعية معقدة
تعد ظاهرة التسول من التحديات الاجتماعية التي تواجه المدن الكبرى، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، فبينما يرى البعض في التسول وسيلة للهروب من الفقر والبطالة، يعتبره آخرون سلوكاً سلبياً يستغل مشاعر الناس ويتسبب في تشويه الصورة الحضارية للمدينة. ويشير الخبير الاجتماعي حيدر السلامة خلال حديثه لصحيفة ” الثورة “، إلى أن التسول ليس مجرد سلوك فردي عابر، بل هو مؤشر على وجود مشكلات أعمق تتعلق بالفقر، والتفكك الأسري، وضعف شبكات الحماية الاجتماعية. لذلك فإن مواجهته تحتاج إلى خطة شاملة، تشمل توفير الدعم للأسر الفقيرة، وتعزيز فرص العمل والتدريب المهني، والاهتمام بالطفولة والتعليم لمنع استغلال الأطفال في الشوارع.
تصريحات رسمية
لا شك أن المرحلة الثانية من الحملة لن تكون الأخيرة، بل ستتبعها مراحل لاحقة، تغطي كامل مدينة حلب وأريافها، بهدف القضاء على الظاهرة تدريجياً، بحسب تصريحات المعنيين، لأن النجاح لا يقاس فقط بعدد المتسولين الذين يتم نقلهم من الشوارع، بل بمدى القدرة على إعادة تأهيلهم ومنحهم حياة جديدة تليق بالكرامة الإنسانية، وخاصة أنه يتم، بالتوازي مع الحملة، توعية المواطنين بضرورة عدم تشجيع التسول عبر تقديم المال المباشر في الشوارع، وأن الكثير من الحالات تستغل تعاطف الناس كمصدر دخل ثابت، ما يساهم في انتشار الظاهرة بدلاً من الحد منها.
تؤكد الدراسات أن التسول يترك آثاراً سلبية على المجتمع، إذ يهيىء بيئة قد تُستغل أحياناً في أنشطة غير مشروعة، كما يؤدي إلى إضعاف صورة المدينة على المستوى الحضاري والسياحي، وفي الوقت نفسه، فإن تجاهل الظاهرة قد يعكس ضعفاً في شبكات الدعم الاجتماعي، ما يفاقم الفقر ويزيد من هشاشة الفئات الأكثر عرضة للمخاطر.من هنا، فإن الحملة الحالية في حلب تشكل خطوة مهمة ضمن استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة التسول، تقوم على التنسيق بين الجهات الحكومية، والمنظمات الأهلية، والمجتمع المحلي.
نحو مدينة خالية من التسول
في الختام، تمثل حملة مكافحة التسول في حلب خطوة عملية نحو معالجة واحدة من القضايا الاجتماعية الملحة، فالانتقال من مجرد إزالة المتسولين من الشوارع إلى إعادة دمجهم في المجتمع يعكس رؤية جديدة تقوم على البعد الإنساني والاجتماعي. وإذا ما تضافرت جهود الحكومة والمجتمع المدني والأهالي، فإن حلب قادرة على أن تقدم نموذجاً رائداً في مواجهة هذه الظاهرة، وصولاً إلى مدينة خالية من التسول، وأكثر قدرة على حماية مواطنيها وصون كرامتهم.