الثورة – جهاد اصطيف:
تعد زراعة القمح في سوريا الركيزة الأساسية للأمن الغذائي، فهو المحصول الاستراتيجي الذي يضمن للمجتمع قوته اليومي، ويحافظ على استقرار السوق المحلية، ويمثل مصدر عيش لمئات آلاف العائلات الريفية التي ارتبطت به على امتداد عقود.
وفي ظل التحديات التي فرضتها الظروف المناخية والاقتصادية والإنتاجية، تبرز الحاجة اليوم إلى تطوير آليات إكثار البذار وإدارتها، وضمان وصول بذار صحية عالية الجودة إلى المزارعين، من هنا جاءت الدورة التدريبية التي نظمتها المؤسسة العامة لإكثار البذار في حلب، بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تحت عنوان: “إدارة محصول القمح وإعداد البذار- الشق النظري”.
خلفية وأهمية الدورة
إن الحديث عن إدارة محصول القمح ليس مسألة نظرية مجردة، بل قضية ترتبط مباشرة بواقع الإنتاج الزراعي، وما يواجهه من صعوبات، فالتغيرات المناخية المتسارعة، وارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية، وتراجع خصوبة بعض الأراضي، وانتشار الأمراض والآفات، جميعها تحديات تستدعي وجود كوادر متخصصة قادرة على التعامل معها بكفاءة، وقد أدركت المؤسسة العامة لإكثار البذار أن نجاح خططها لا يقتصر على توفير البذور فقط، بل يرتبط أيضاً بتأهيل العاملين لديها، ليكونوا قادرين على مواكبة التطورات العلمية والتقنية، وتقديم الدعم المباشر للمزارعين.
تفاصيل انعقاد الدورة
انعقدت الدورة في مدينة حلب، بحضور المدير العام للمؤسسة المهندس عمار المحمد، ومشاركة 16 مهندساً زراعياً من مختلف فروع المؤسسة والإدارة العامة، تميزت الدورة بتركيزها على الشق النظري لإدارة محصول القمح وإعداد البذار، وقدمت مجموعة من المحاضرات العلمية المتخصصة التي جمعت بين الجانب الأكاديمي والتطبيقي.
على مدى انعقاد الدورة، تلقى المشاركون تدريبات حول أحدث الأساليب في إدارة الحقول، وطرق الإكثار السليم، وضوابط إعداد البذور لتكون خالية من الأمراض، كما جرى التطرق إلى الآليات العلمية المتبعة في المؤسسات الدولية المتقدمة، بما يتيح تبادل الخبرات ونقل التجارب الناجحة إلى السياق المحلي.
تصريحات المسؤولين
معاون المدير العام للمؤسسة المهندس فايز القاسم، أوضح أن الهدف الأساسي من هذه الدورة هو تأهيل الكادر البشري ليكون قادراً على النهوض بالعمل الفني، سواء في المختبر أو في الحقول، مؤكداً أن المؤسسة تراهن على هذه الدورات لبناء قاعدة خبرات متينة، تسهم في تعزيز قدراتها على الإكثار والإنتاج، وبالتالي ضمان استدامة المحصول الاستراتيجي الأول في البلاد.
من جانبها، أشارت خبيرة الأمراض الفيروسية ورئيس مختبر صحة البذور لدى المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) المهندسة صفاء قمري، إلى أن المحاضرات ركزت بشكل خاص على صحة البذور التي يتم توزيعها على المزارعين، وأوضحت أن خلو البذور من الأمراض والآفات التي تنتقل عبرها، يعد الضمانة الأولى للحصول على محصول وفير وسليم.
انعكاسات الدورة
المشاركون في الدورة أكدوا أن ما تلقوه من معارف وخبرات، سيسهم بشكل كبير في رفع كفاءتهم الفنية، فالمهندس الزراعي الذي يعمل في الحقل أو المختبر، حين يتسلح بالمعرفة المتخصصة، يصبح قادراً على تقديم الاستشارات الدقيقة للمزارعين، وتوعيتهم بطرق الزراعة السليمة، والإجابة عن تساؤلاتهم المتعلقة بالإنتاج والصحة النباتية.
كما أن هذه الدورة تمثل خطوة عملية نحو دعم الموسم الزراعي المقبل، من خلال ضمان وصول بذار محسنة وخالية من الأمراض إلى الفلاحين، وهو ما ينعكس مباشرة على وفرة الإنتاج وجودته.
من اللافت أن هذه الدورة جاءت بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الأمر الذي يعكس اهتمام المنظمات الدولية بدعم القطاع الزراعي السوري في هذه المرحلة الحساسة، فالتعاون بين المؤسسات المحلية والخبرات العالمية، يشكل جسراً لنقل المعرفة، ويسهم في تطوير العمل المؤسسي بما يتماشى مع المعايير الدولية.
محصول استراتيجي
لا يمكن الحديث عن هذه الدورة من دون التذكير بمكانة القمح في الحياة الاقتصادية والاجتماعية السورية، فهو “الخبز اليومي” لكل بيت، والمحصول الذي ارتبطت به الذاكرة الزراعية السورية منذ آلاف السنين، ورغم التحديات، ما زال القمح يحتل الصدارة في خطط الدولة الزراعية، باعتباره ركيزة الأمن الغذائي الوطني.