الثورة – علي إسماعيل:
تتحضر الدولة وتضع كل إمكانياتها استعداداً لخوض غمار تجربة ديمقراطية، تتجلى بانتخابات مجلس الشعب القادم هذا العام، في حدث مفصلي في تاريخ البلاد، يفصل عقود الاحتكار السياسي عما هو قادم إليها من أيام، وما تحمله معها من مشاركة حقيقية للشعب السوري، في اختيار أعضاء مجلس الشعب ممن يلبي طموحاته وتطلعاته، وبمشاركة مباشرة من مؤسسات المجتمع المدني في الإعداد والتدريب في نقلة نوعية تحسب للقيادة الجديدة بغية تعزيز مؤسسات الدولة وترسيخ قيم الديمقراطية بالرغم من التحديات الوطنية.
فنجاح هذه الانتخابات لا يقتصر على التحضيرات اللوجستية والتنظيمية والفنية فحسب، وإنما يكون من خلال تضافر جهود الجهات المعنية والمؤسسات القائمة على العملية الانتخابية مع المواطنين، لضمان إنتاج بيئة انتخابية شفافة تلبي إرادة الشعب.
واجبات الدولة
مسؤولية الدولة في نجاح هذه التجربة الانتخابية مسؤولية كبيرة لا ترتبط بتوفير الأجواء القانونية والتنظيمية الملائمة، وتسهيل مشاركة المواطنين، و تأمين سلامة وأمن المراكز الانتخابية فحسب، بل تتسع المسؤولية إلى أبعد من ذلك، وتشمل ضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية عبر آليات واضحة للترشح والاقتراع، والإشراف الجيد من قبل اللجنة العليا للانتخابات، إلى جانب قبول الطعون والنظر فيها بموضوعية، وهو أمر وضحته التعليمات التنفيذية الصادرة بالقرار رقم ٢٨ عن اللجنة الوطنية العليا، حيث فصّل القرار التعليمات بوضوح حول الشروط والمهل الزمنية، وتحديد الأوراق المطلوبة والجدول الزمني للعملية.
إضافة إلى كل ذلك تقع على الدولة مسؤولية تهيئة البيئة السياسية المناسبة، حيث لا يمكن للانتخابات أن تنجح في ظل مناخ غير مستقر أو مشحون بالتوترات السياسية، لذلك تعمل الدولة على بناء الثقة مع مختلف الاتجاهات السياسية الوطنية التي لا تحيد عن مفهوم وحدة سوريا الجغرافية والسياسية والاجتماعية وسيادتها وسلامتها. كذلك مسؤولية تشجيع المواطنين ورفع مستوى الوعي السياسي لديهم وشرح أهمية المشاركة الواسعة في الانتخابات هي من مسؤوليات الدولة، وهناك أيضاً مسؤوليات تطوير البنية التحتية وتحديثها بهدف تعزيز الشفافية، وتدريب العاملين في اللجان الانتخابية بالتعاون مع جهات تخصصية، وتيسير العملية الانتخابية وتهيئة أجواء مناسبة لعملية ديمقراطية سليمة.
واجبات المواطنين
لا يقل دور المواطن أهمية عن دور الدولة في ضمان نجاح الانتخابات التشريعية، فالمشاركة الفاعلة دليل النجاح لذلك، كما يقع على عاتق المواطنين العديد من الواجبات، أولها السعي والتجاوب مع الجهات التخصصية لرفع مستوى الوعي الانتخابي والاطلاع على برامج المرشحين و سجلهم وخططهم، لاختيار من يستحق بعيداً عن الاصطفافات الضيقة، إضافة إلى مقاطعة الشائعات والتضليل وتحري الدقة في نقل وتداول المعلومات.
كل ماسبق يحتم على المواطنين احترام نتائج الانتخابات بما يعكس المعنى الحقيقي للديمقراطية وتحقيق إرادة الأغلبية والتعامل معها بروح وطنية، خاصة أن الأجواء الديمقراطية تتضمنها رقابة مجتمعية يقوم بها المواطنون أنفسهم كواجب أساسي من واجباتهم لضمان شفافية ونزاهة العملية.
لذلك للوصول إلى تجربة ديمقراطية ناجحة لابد من خطوات مهمة وعلى المدى الطويل، وقد تم إنجاز الكثير منها تتلخص بإعداد وتهيئة أجيال واعية سياسياً من خلال إدخال برامج تعليمية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان في المدارس والجامعات، بالإضافة إلى حملات توعية منظمة تستهدف كل الفئات العمرية، وإشراك الشباب والنساء والفئات المهمشة وتشجيع مشاركتهم السياسية عبر منحهم فرصاً أكبر في الترشح والعمل السياسي، وتطوير القوانين الانتخابية والمؤسسات ومراجعة القوانين لتكون أكثر شفافية وشمولية، إضافة إلى دعم منظمات المجتمع المدني التي تراقب الانتخابات وتشارك في توعية الناخبين، إلى جانب حرية الإعلام التي تقدم تغطية موضوعية ومتوازنة.
إن إنجاح الانتخابات التشريعية 2025 في سوريا يتطلب تضافر جهود الدولة والمواطنين، في ظل إدراك أهمية المشاركة والشفافية والمسؤولية الوطنية، لخلق فرصة حقيقية ترسخ مبادئ الديمقراطية، وتبني مؤسسات قوية قادرة على تحقيق أهداف الأمن والتنمية والازدهار للمرحلة القادمة.