الثورة – عبد الحميد غانم:
في خطوة اقتصادية مهمة، تعكس عودة الحياة الاستثمارية في سوريا، تم التوقيع على اتفاقية تعاون استراتيجية بين هيئة الاستثمار السورية ورجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور، مؤسس مجموعة الحبتور، بحضور وزير المالية السوري محمد يسر برنية، ووزير السياحة مازن الصالحاني، ومدير هيئة الاستثمار طلال الهلالي.
أبعادها الاقتصادية
تمثل هذه الاتفاقية علامة فارقة في مسيرة إعادة البناء الاقتصادي لسوريا الجديدة بعد سنوات من التحديات، وبداية انطلاقة فعلية لاستقطاب الاستثمارات العربية والخليجية إلى سوريا، ويتركز أول مشروع عملي على إنشاء مجمع سكني ترفيهي يمتد على ساحل مدينة اللاذقية بطول 12 كيلومتراً.
ويهدف هذا المشروع إلى تنشيط القطاعين السياحي والسكني، اللذين يشكلان دعامة رئيسية لتحفيز الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل مستدامة.
وأوضح مدير هيئة الاستثمار طلال الهلالي أن الاتفاقية تؤكد التطور في الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع توفير تشريعات مرنة تسمح بحرية تحويل رؤوس الأموال والأرباح، واستقدام العمالة الأجنبية بنسبة تصل إلى 40 بالمئة، لتسهيل تنفيذ المشاريع بكفاءة.
الدعم الحكومي
عبّر وزير السياحة مازن الصالحاني عن امتنان الحكومة للمستثمر الإماراتي خلف الحبتور، مؤكداً أن الحكومة ستذلل كل العقبات أمام المشاريع الاستراتيجية في سوريا. وأكد العمل على بناء بيئة استثمارية جاذبة تضم جميع الاستثمارات العربية والأجنبية لتحقيق تنمية شاملة.
أما وزير المالية محمد يسر برنية، فقد أبدى تفاؤله بقدرة سوريا على جذب استثمارات تفوق في حجمها مدناً اقتصادية كدبي، مشيراً إلى أن النظام الضريبي الجديد يتضمن حوافز وإعفاءات تهدف إلى دعم المستثمرين وتعزيز القطاع الخاص، بما ينمّي الاقتصاد الوطني بشفافية وعدالة.
أهداف المستثمر
من جانبه أبدى رجل الأعمال الإماراتي المستثمر خلف الحبتور، عبر حسابه على منصة “إكس”، اعتزازه بدوره في دعم سوريا، مؤكداً أن استثماره يتعدى الربح التجاري ليشمل شراكة إنسانية تهدف إلى بناء مستقبل أفضل للشعب السوري.
وأشاد بإصرار السوريين القوي على تخطي التحديات، معبراً عن تقديره الكبير للترحيب والكرم الذي لاقاه في الزيارات الرسمية واللقاءات مع القادة.
وأكد الحبتور أن هذه الخطوة ليست مجرد تجارة بل تعاون عربي خليجي مع الشعب السوري لرفع التحديات والاستفادة من الفرص التنموية.
تأثيرها محلياً وإقليمياً
تحمل الاتفاقية أبعاداً سياسية واقتصادية استراتيجية، وتعكس رغبة متزايدة لدى دول الخليج وإقليمياً في إعادة بناء العلاقات مع سوريا، وفتح أفق اقتصادي جديد يدعم الاستقرار والتنمية.
ويعد الانفتاح الاستثماري العربي تجاه سوريا خطوة مهمة نحو تخفيف التوترات الإقليمية وتحسين موقع سوريا الدولي من خلال الشراكات الاقتصادية.
هذا الانفتاح ينعكس إيجاباً على إعادة تأهيل البنية التحتية وإنعاش الاقتصاد السوري الذي تعرض للحصار والعقوبات، ويعيد سوريا تدريجياً إلى خارطة المستثمرين الإقليمية والدولية.
استقطاب الاستثمارات
يرى الخبير الاقتصادي الدكتور رازي محيي الدين أن هذه الاتفاقية تعكس التحول الحقيقي في اقتصاد سوريا نحو التنمية المستدامة، عبر الاستثمار في رأس المال البشري واستفادة الكفاءات المحلية ضمن شراكات استراتيجية مع مستثمرين عرب مثل مجموعة الحبتور، الأمر الذي يعزز الناتج المحلي ويوفر فرص عمل مستدامة.
وأشار في حديثه لـ”الثورة” إلى أن القطاع الخاص الوطني يلعب دوراً محورياً في خطة إخراج الاقتصاد من فترة الركود، عبر استقطاب الاستثمارات ذات القيمة المضافة العالية ومستوى الشفافية في بيئة الأعمال.
تسهيلات للمستثمرين
ولفت إلى أن هيئة الاستثمار السورية تشكل نقطة مركزية لتسهيل الإجراءات، إذ تقدم خدمات “نافذة واحدة” تضمن للمستثمرين سرعة إنجاز معاملاتهم من لحظة دخول البلد وحتى توقيع العقود والتنفيذ، ما يعزز من جاذبية السوق السوري.
ويأتي ذلك بالتوازي مع قانون الاستثمار الجديد الذي يضمن حقوق المستثمرين في تحويل أموالهم وأرباحهم بحرية تامة، مع إجراءات واضحة وشفافة، ما يشجع دخول مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية ويعزز ثقة المستثمرين.
الأمل في تعافٍ اقتصادي واجتماعي
لا تقتصر الاتفاقية على بعدها الاقتصادي، بل تحملُ بحسب الخبير محيي الدين، رسالة أمل وشراكة جديدة في طريق إعادة إعمار سوريا، التي بدأت تفتح أبوابها أمام العالم ببيئة محفزة للاستثمار والعمل من جديد.
وقال: تأتي هذه المبادرة لتعكس إرادة الحكومة في دعم الاستثمار ومنح الإنسان السوري مكانة مركزية في خطط التنمية، ما يؤهل البلاد للعب دور إقليمي أكبر في المستقبل الاقتصادي.
وأكد محيي الدين أن اتفاقية هيئة الاستثمار ومجموعة الحبتور تمثل بداية حقيقية لانطلاق مشاريع تنموية تغذي الاقتصاد السوري، من خلال تعزيز التعاون العربي والاستثماري واستغلال الموارد الطبيعية والبشرية لخلق فرص عمل وتنمية مستدامة، مع تمكين القطاع الخاص ودعم السياسات الحكوميّة التي تسهل الاستثمار وتدعم النمو.
ولفت إلى أن الاستثمار اليوم لا يركز على الرأسمال النقدي والمالي بل على رأس المال البشري السوري، وذلك عبر مشاريع توظف الكفاءات المحلية وتخلق فرص عمل مستدامة، تسهم مباشرة في رفع الدخل الفردي وتحفز حركة الدوران الاقتصادي، إضافة إلى خلق شراكات استراتيجية مع مستثمرين عرب ودوليين، كمجموعة الحبتور، بما يضمن نقل المعرفة وإقامة الاستثمارات في سوريا.
ودعا محيي الدين رجال الأعمال السوريين إلى الاستفادة من هذه الاتفاقية وغيرها من الاتفاقات، باعتبارها تمثل فرصة استثمارية فريدة بمعدل عائد مرتفع على المدى الطويل، وأن القطاع الخاص الوطني يعد حجر الزاوية في خطة التعافي القائمة على اقتصاد السوق.