الثورة – مها يوسف:
في خضم التحولات السياسية العميقة التي تعيشها سوريا، تبرز مسألة انتخابات مجلس الشعب خلال المرحلة الانتقالية كإحدى القضايا المفصلية التي تشغل الأوساط السياسية والاجتماعية. إذ يُنظر إلى هذه الانتخابات، ليس فقط بوصفها استحقاقاً دستورياً، بل كآلية استثنائية تراعي واقع البلاد وظروفها، وتضع أسساً لإدارة المرحلة المقبلة على نحو يوازن بين متطلبات الشرعية والشفافية، وبين التحديات الميدانية والإنسانية التي فرضتها سنوات الأزمة.
الأكثر مناسبة
ويرى مدير مكتب سوريا في صحيفة العربي الجديد عبسي سميسم في حديثه لـ”الثورة”، أن هذه الآلية لا تعبّر عن ممثلين للشعب وفق الآليات المتبعة عادة، وإنما هي آلية انتخابية لاختيار ممثلين يعبرون عن اللجان الانتخابية. ومع ذلك يوضح سميسم أنها تعد الأكثر مناسبة للظروف الراهنة التي تمر بها البلاد، وذلك في ظل صعوبة إجراء انتخابات عامة تشمل جميع المواطنين، نتيجة غياب إحصاء دقيق للسوريين، ووجود أعداد كبيرة منهم خارج البلاد، فضلاً عن أن عدداً غير قليل غير مسجل في دوائر النفوس.
ويشير سميسم إلى أن اعتماد اللجان الانتخابية المشكّلة من وجهاء المناطق، كجهة مخولة بانتقاء المرشحين، يمكن أن يساعد في اختيار مجلس تشريعي، يقوم على الكفاءات، الأمر الذي يتيح للمجلس أداء دور فاعل في إصدار القوانين والتشريعات الضرورية لهذه المرحلة الحساسة.
وبحسب الآلية الموضوعة، ستتم الانتخابات على ثلثي أعضاء المجلس من بين المرشحين الذين تختارهم اللجان الانتخابية، بينما الثلث المتبقي سيتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية، ويُنتظر أن يسهم هذا التوزيع في توفير توازن داخل المجلس بين المنتخبين والمعينين.
التزام بالشفافية
ويؤكد سميسم أن تعزيز الثقة بالمجلس الجديد يتطلب التزاماً كاملاً بالشفافية من قبل اللجان المشرفة على العملية الانتخابية، إلى جانب إتاحة المجال أمام منظمات المجتمع المدني والهيئات الدولية لمراقبة سير الانتخابات، بما يضمن نزاهتها ويبعدها عن أي تدخل حكومي لصالح مرشح على حساب آخر.
وبذلك يرى سميسم أن هذه الآلية رغم خصوصيتها، تمثل خطوة عملية نحو إدارة المرحلة الانتقالية بقدر عالٍ من التوازن والشفافية، بما يضمن للمجلس الجديد شرعية تتناسب مع طبيعة المرحلة وظروفها الاستثنائية.
طاقات مؤهلة
بدوره، أكد المحامي ياسر محرز أن وجود سلطة تشريعية منتخبة، يمثل حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي حديث، ويُعد الضمانة الأساسية لإعادة بناء الدولة السورية على أسس من الشرعية وسيادة القانون. فالبرلمان المنتخب– برأيه– لا يجسد فقط إرادة الشعب، بل يمنح أيضاً الشرعية الداخلية والخارجية للسلطة التنفيذية والحكومة، ويعيد التوازن بين السلطات، ويؤسس لمرحلة انتقالية مستقرة وقابلة للاستمرار، ويضفي صفة الشرعية على القرارات المصيرية.
وأضاف: إن وجود مجلس شعب منتخب، يعكس إرادة الشعب، ويمنح أي سلطة جديدة مشروعية داخلية وخارجية، ولاسيما في سوريا بعد الانتصار وإسقاط النظام البائد، وبعد النجاحات الكبيرة التي حققتها الحكومة في تسيير مرافق ومؤسسات البلاد داخلياً، وفي انفتاح العالم على سوريا خارجياً، وكان آخر هذه النجاحات رفع العقوبات الدولية وإلغاء مفاعيل “قانون قيصر”.
ودعا محرز جميع من يجد في نفسه الكفاءة والجدارة والقدرة على تحمل المسؤولية إلى الترشح لانتخابات مجلس الشعب، معتبراً أن المرحلة القادمة تتطلب طاقات وطنية فاعلة ومؤهلة.
وفي سياق متصل، موضحاً أن بعض المواطنين ينأون بأنفسهم عن المشاركة في هذا الاستحقاق الديمقراطي نتيجة أسباب عدة، تأتي في مقدمتها حالة الخوف والاعتبارات الأمنية والسياسية، والخشية من تبعات المواقف أو من التحدث في المجلس بحرية وشفافية وإبداء الانتقادات.
منح الضمانات
وطالب محرز الحكومة واللجنة المشرفة على الانتخابات بالعمل على تبديد هذه المخاوف، وزرع الثقة والطمأنينة لدى المواطنين، عبر منح الضمانات، أن عضو مجلس الشعب يتمتع بحصانة واسعة وحماية أمنية، وأن جميع الآراء والمواقف التي يُدلي بها داخل المجلس لا يُسأل عنها قانونياً.
واعتبر أن ضعف الثقة بالدور الفعلي للمجلس من أبرز الأسباب التي تجعل البعض يحجم عن المشاركة في هذا الاستحقاق المهم، إذ يرى كثيرون أن المجلس غير قادر على التأثير الحقيقي في القرارات الحكومية الكبرى.
ولتعزيز الثقة في المجلس الجديد، شدّد محرز على ضرورة ضمان شفافية العملية الانتخابية، بدءاً من اختيار المرشحين الأجدر من أصحاب الكفاءة العلمية والسمعة الحسنة، مروراً بضمان تكافؤ الفرص بين الجميع، وانتهاءً بجعل المرشحين أكثر قرباً من الشارع عبر لقاءات دورية وتقارير علنية عن أعمالهم، إضافة إلى استقبال شكاوى المواطنين ونقلها إلى المجلس لمناقشتها.