الثورة – منال السماك:
مشهد إنساني مؤثر عرضه “ترند” “أتقدم خطوة”، يظهر الفجوة العميقة التي صنعها الزمن بين جيلين، كما يعكس الفارق الكبير بين طفولة جيل الآباء، التي اتسمت بالحرمان وتحمل المسؤولية والعمل في سن صغيرة، فيما طفولة جيل اليوم تحظى بالرفاهية وتلبية الاحتياجات اليومية، وتوفير الوسائل التكنولوجية التي تسهم بتوفير الجهد واختصار الوقت، كما عكس هذا “الترند” الاجتماعي حجم الجهد والتضحية التي قدمها جيل الآباء من أجل حياة أفضل للأبناء، ومنحهم الفرص الضائعة منهم في طفولتهم، تلك المفارقة العاطفية بين تقدم الأبناء بالخطوات، بينما الآباء في مكانهم، جعلت المشاهدين يتأملون بحجم التضحيات الكبيرة، لتذكير الأبناء بالامتنان والتقدير والشكر للآباء.
امتيازات لم تكن متاحة
قصة هذا “الترند” عبارة عن تحد عميق في أثره، إذ يقوم على وقوف الأب وأبنائه في صف واحد، ويتقدم الأبناء خطوة للأمام بعد كل سؤال يجاب عليه بالإيجاب، حول رفاهية الأبناء في طفولتهم، وتتنوع الأسئلة وكلها تصب في خانة الامتيازات التي لم تكن متاحة للأجيال السابقة، مثل: تقدم خطوة لو كانت لديك غرفة خاصة فيها أغراضك وألعابك وأنت صغير… تقدم خطوة لو كان هناك من يوصلك ويرجعك من المدرسة إلى البيت ويتابع واجباتك المدرسية، أما السؤال الأخير هو الأكثر تأثيراً، وهو تقدم خطوة لو كان كل ما تطلبه يأتيك بسهولة، ومع كل إجابة بنعم يتقدم الأبناء، فيما يظل الأب في مكانه ولا يتحرك إلا بعد سؤال لا يخطر على بال الأبناء اليوم، وهو تقدم خطوة لو عملت في صغرك لمساعدة أهلك، هنا فقط يتقدم الأب خطوة للأمام، لتأتي لحظة التأثر العاطفي.
بين رفاه الأبناء وكفاح الآباء
للحديث عن علاقة الأبناء بالآباء، وأهمية الاعتراف بالجميل والاحترام والامتنان، وما مدى تأثير هكذا “ترندات” من الناحية النفسية، التقت “الثورة” المستشارة الأسرية والنفسية الأستاذة نائلة الخضراء، والتي أشارت بداية إلى ان هذا “الترند” كان له صدى إيجابي، وذلك لبعده وهدفه الإنساني الذي يتناول العلاقة بين الآباء والأمهات من جهة والأبناء من جهة.
وتابعت بالقول: لقد أثر هذا “الترند” الاجتماعي بي شخصياً، وعادت بي الذاكرة لتضحيات والدي رحمه الله، وشعرت بكم هائل من الامتنان تجاهه وترحمت عليه، ومن وجهة نظري فإن هذا “الترند” يسلط الضوء على ما يقدمه الأهل لأبنائهم، وقد استطاع تحريك مشاعر الأبناء من خلال المقارنة بين حياة الأبناء المترفة، وما عاشه الآباء سابقاً من حرمان، ورغم ذلك يحاول الأهل تعويض ما حرموا منه من خلال تقديمه لأبنائهم وبذل التضحيات.
الاعتراف بأفضالهم
وتتابع الأستاذة الخضراء بالقول: من الضروري ان يعترف الأبناء بأفضال والديهم عليهم، وخاصة بعد ما بتنا نلاحظه من عقوق ونكران، فمن خلال ملاحظاتي من مرتادي عيادتي، أن هناك بعض الآباء والأمهات باتوا يعانون من سوء معاملة وجحود الأبناء، ومنهم من يعاني من جفاء في العلاقة الوالدية، وأحيانا هجران وانقطاع تواصل، ومن خلال طبيعة عملي بالعيادة واختصاصي بالشؤون الأسرية، دائماً أحاول ان اذكر الأبناء بتضحيات الوالدين، وبالمواقف الكثيرة التي يبذل فيها الأهل الغالي والرخيص من أجل سعادة أبنائهم، كما أنه من الضروري لفت نظر الأبناء للغفران الذي منحه الوالدان لأبنائهم فترة تربيتهم، وحجم المعاناة والتحمل لذنوبهم وأخطائهم، وذلك في محاولة لتقريب المسافة.
وأكدت أنه من المهم جداً أن يفي الأبناء حق آبائهم بالامتنان والاحترام ورد الجميل، وأن يتمعن الأبناء كيف عاش الوالدان حياتهما، وكم حرموا وتحملوا المستحيل لتقديم حياة أفضل لأولادهم.
كما لفتت الأستاذة الخضراء إلى أن لا يمكن الحكم بإيجابية هكذا “ترند” بالمطلق، فلكل شيء إيجابياته وسلبياته، فمن الممكن أن يكون سلبياً ومحزناً بالنسبة للأبناء الذين لديهم آباء لم يقدموا لهم شيئاً إيجابياً، بل كانوا عالة عليهم وسبباً لتعاستهم، وربما تركوهم وتخلوا عنهم صغاراً ليعيشوا حياتهم، وهذا سوف يشعرهم بالحزن والحرمان العاطفي.. وعموماً الحياة مليئة بالأحزان والجروح، وهذا “الترند” غايته إنسانية بحتة هي العرفان بالجميل والامتنان لما قدمه الوالدان من عناية ورعاية وتضحية.
وأضافت: هذا “الترند” الاجتماعي اجتاح منصات وسائل التواصل، فانتشر بسرعة لما يحمله من رسائل إنسانية ودلالات اجتماعية مؤثرة، وتفاعل معه الكثيرون باسترجاع الذكريات الطفولية، وذرف البعض الدموع حنيناً لآباء رحلوا، ولكن أثرهم مازال باقياً، عرفاناً بالجميل والامتنان لتضحيات وإيثار، ومصارعة الحياة لتقديم كل ما من شأنه رعاية الأبناء ونجاحهم وتفوقهم، وتأمين حياة كريمة تحت عباءة والدية تسعى لرفاهية الأبناء.