الثورة – هبه علي:
في تحليل عميق لظاهرة ارتفاع الأسعار العالمية، قدم الأستاذ المساعد في الاقتصاد الدولي بكلية العلوم السياسية في جامعة دمشق، الدكتور قاسم أبو دست، رؤية شاملة لأبرز العوامل المؤثرة، مؤكداً أن هذه الظاهرة ليست نتيجة “خطة متعمدة” بل محصلة لتفاعل معقد من السياسات والاضطرابات الاقتصادية.
أسباب التضخم العالمية
ويرى أن ارتفاع الأسعار الذي يشهده العالم اليوم ليس نتيجة “خطة متعمدة” لإحداث أزمة، إنما هو محصلة لتفاعل عدة عوامل اقتصادية معقدة، أبرزها تضخم الطلب الذي يحدث عندما يصبح حجم الطلب على السلع والخدمات أكبر من قدرة الاقتصاد على إنتاجها وعرضها، ما يدفع الأسعار للارتفاع.
ناهيك عن ارتفاع تكاليف الإنتاج، إذ يؤدي ارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة والأجور إلى قيام الشركات بتحويل هذه التكاليف إلى المستهلكين عبر رفع أسعار المنتجات النهائية.
كما أن مشكلات سلاسل التوريد العالمية تسببت في نقص المعروض من السلع، مما ساهم في رفع أسعارها، وقيام البنوك المركزية كالاتحاد الأوروبي بضخ كميات كبيرة من النقود في الاقتصاد لتحفيزه، مما يزيد كمية النقود المتداولة وقد يؤدي إلى التضخم إذا لم يقابله زيادة في الإنتاج، وهذا ما يسمى بالسياسات النقدية التوسعية، على حد قول الدكتور أبو دست.
تأثير السياسات الأمريكية
وأكد أن السياسات الاقتصادية الأميركية تلعب دوراً محورياً في الاقتصاد العالمي، وذلك بسبب هيمنة الدولار كأهم عملة في التبادلات التجارية والمالية الدولية كرفع أسعار الفائدة الأميركية للسيطرة على التضخم المحلي أدى إلى تقوية الدولار، وبالتالي ارتفاع تكلفة الواردات حيث أصبحت سلع الدول الأخرى المستوردة أكثر تكلفة بالنسبة لها، مما يولد تضخماً مستورداً، كما أصبحت خدمة الديون الخارجية للدول النامية التي تتعامل بالدولار أكثر تكلفة، ما يزيد أعباء اقتصاداتها.
ويتابع: “عندما تخفض الولايات المتحدة سعر الفائدة، فإن الاقتصادات المرتبطة بها تُجبر على تقليد هذا القرار لتجنب هروب رؤوس الأموال، مما قد لا يتناسب مع ظروفها الاقتصادية”.
حلول للدول النامية
ويقدم الأستاذ في كلية العلوم السياسية استراتيجيات عدة يمكن للدول، وخاصة النامية منها، اتباعها للتخفيف من حدة هذه التأثيرات، ومن أبرزها تعزيز الإنتاج المحلي الذي يعد من أهم الحلول طويلة الأمد، إذ يؤدي تقليل الاعتماد على الواردات من خلال تعزيز الإنتاج المحلي للسلع الأساسية وخاصة الغذائية إلى تقليل التأثر بتقلبات الأسعار العالمية، بالإضافة إلى بناء مخزون استراتيجي من السلع التي يمكن تخزينها لفترات طويلة كالقمح والسكر والأرز لمواجهة أي صدمات مفاجئة في الإمدادات.
أضف إلى ذلك، والكلام تبني سياسات مالية ونقدية واضحة من خلال مكافحة الفساد وبناء مصداقية البنك المركزي لترسيخ توقعات التضخم والسيطرة عليه، كما يمكن للمجتمع الدولي المساعدة من خلال دعم الاحتياطيات الدولية للاقتصادات النامية كتوجيه حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي لتعزيز احتياطياتها من العملات الأجنبية.
ويختتم الدكتور أبو دست بالقول: بأن ارتفاع الأسعار العالمي هو نتيجة طبيعية لتفاعل سياسات اقتصادية كلية مع اضطرابات سلاسل الإمداد، وليس أمراً متعمداً، لذلك فإن الحل الأمثل لهذه الدول يكمن في تقليل اعتمادها على الخارج من خلال تعزيز إنتاجها المحلي وبناء مخزونها الاستراتيجي، إلى جانب إصلاح سياساتها المالية والنقدية لتصبح أكثر مرونة في مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية.