ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم يكن الإرهاب في يوم من الأيام إرهاباً محلياً، ولو كان في بعض الظروف منتجاً بعوامل محلية أو ناتجاً عن أسباب ذات طابع محلي، وهذا ينسحب على كل أشكاله ونماذجه ومظاهره.. كبيره وصغيره..الخطير منه والأكثر خطورة، وهي الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني، ويضيف إليها بالتجربة والمنطق أنه لا ينمو إلا بعوامله الخارجية!!.
اللافت أن يذهب الكثير من منتجيه إلى التعاطي معه على أنه تفصيل يصلح حسب المقاس، ويمكن أن يكون منتجاً حسب الطلب، له صلاحية استخدام، كما أن له نهاية وفق متطلبات الدور الوظيفي الذي يحدده مشغّلوه ومنتجوه ومموّلوه، حيث ما يُحارب هنا يمكن أن يتم التحالف معه هناك، وما هو عدو في موضع يتحوّل إلى صديق وحليف وربما أكثر في موضع آخر.
هذا المذهب في التعاطي مع الإرهاب ظل سائداً ومعمولاً به، بل ثمة مفاعيل إضافية خرجت إلى العلن تحت رداء من الازدواجية الفاقعة الممزوجة بأقصى درجات النفاق الذي يصل اليوم إلى مستواه الأعظمي تحت غطاء من الوهم الذي لا يريد أن يسمي الأشياء بمسمياتها، ولا أن يعترف بالوقائع كما هي، رغم أن الحريق الذي أشعله وصل إلى أصابعه ذاتها.
فالإرهاب الـمُصنّع خليجياً والمدعوم غربياً لم يعد سراً، ولا هو خارج التداول، أرادوه أن يكون في سورية والعراق، وكثيرون من أتباعهم باعوا به واشتروا من «فضائله» مواقعهم وأدوارهم ومهامهم المرحلية والمستقبلية، وجاروا فيه على الإنسانية وقيمها وعلى المواثيق والقوانين والأعراف.. قديمها وجديدها، ولا يزالون حتى في اللحظة التي تطاردهم نار الإرهاب يجترون في الموقع ذاته وينفخون في القربة نفسها.
منذ البداية كان الصوت السوري المحذّر، وكان الرأي والموقف، وكانت التجربة المتراكمة في مواجهة الإرهاب وتبعاته وارتداداته، لم ينصت أحد، ولم يسمع أحد، رغم يقينهم بحقيقة ما قالته سورية وما تقوله، وحتى الآن يقفون على المنبر ذاته لخطابات كاذبة ومنافقة ومشوِّهة للحقيقة والواقع تحت سلطان التغوّل المنفوخ في أدوارهم الوظيفية.
لسنا بوارد التذكير، حيث الذكرى تنفع فقط مع المؤمنين!! لكنها لحظة الاختبار والمواجهة في ظل تباين لا يزال يلفّ مواقف واعترافات وأدواراً ووظائف وحسابات ومعادلات من غرب الأرض إلى شرقها، وجميعها تعيد تدوير الزوايا تجنّباً للحقيقة وتخفّياً عن المواجهة، حتى الإرهاب الذي ضرب بالأمس في تونس وفرنسا والكويت لا يراد له أن يعري الحقيقة، ولا أن يعلن عن الكوارث التي تنتظر البشرية في كل مكان بعد إحصاءات ودراسات وتحليلات تجزم بأن الإرهاب ببيئته ومناخه السائد هو الأكثر خطورة.
الإرهاب آفة عالمية، قالتها سورية بالتجربة وتعاملت معها وفق هذا المعيار، ولا تزال تراهن على صحة مقولتها ومتيقنة باللحظة التي سيضطر فيها العالم للإقرار، ولم يعد هناك الكثير من الانتظار، خصوصاً أن الارتباط بين الإرهاب وأدواته ومظاهره لا تخطئه العين، حتى لو قالت أميركا غير ذلك أو ادعت عكسه..!!
الأهم أن مواجهته يجب أن تأخذ الصيغة ذاتها، حالها حال ما نجزم به ويجزم العالم كذلك، بأن إدارته عالمية وأميركية بالتحديد، بالتواطؤ مع أدوات إقليمية حيث الفوارق لا تكاد تُذكر في سياق الحصيلة التي تريد واشنطن أن تصل إليها، خصوصاً في هذه المرحلة التي يشكل الإرهاب أداة التعويل الأميركي مع تحريك في موقع الأدوات وليس في أولوية الإرهاب.
فالمحاججة بين الإرهاب ومنتجه، الوكيل فيه أم الأصيل.. المستنسخ بحلّته القديمة أم القادم بلبوس «النصرة» و«داعش» ومشتقاتهما من باب عولمة الإرهاب، كما كانت عولمة السياسة والاقتصاد والثقافة ليست أكثر من إعادة ذرّ ما تبقّى من رماد الكذب والنفاق في البقية الباقية من عيون المجتمع الدولي التي لا تزال ترى الأمور وفق معطياتها وحسب مواقعها، حيث القطبية الأحادية التي استشرت على مدى عقود خلَت أرادت أن تستنسخ تجربتها في حالة الاستلاب ليكون ما ينتج من إرهاب عصري مماثلاً لنموذج استباحتها للمجتمعات والدول، ومكوّناً أساسياً من مكوّنات هيمنتها الماضية منها واللاحقة..!!
a.ka667@yahoo.com