ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
تدشن الرسائل التي تعمّد أوباما أن يحملها عبر مقابلاته الحصرية مع توماس فريدمان رحلة البحث عن المشاجب، وإن جاءت في سياق التوجه الأميركي الجديد في محطات استراتيجية تحط رحالها على سلك السياسة الأميركية،
ويجد الأميركي نفسه محرجاً في أي سؤال يبني افتراضاته على تلك الرسائل، سواء التي تتعلق بالمسؤولية الأميركية عن كل ما جرى وما يجري، أم عبر التوقيت الذي يثير عاصفة من التكهنات.
فالعلاقة مع مشيخات الخليج تفرض معايير متبدلة للقراءة الأميركية لتلك العلاقة، حيث الانتقاد لسلوكها والنظرة الوصائية، لا يعكس خيبة أمل أميركية فقط، بقدر ما يشي بقطبة أميركية غير مخفية للتهرب من تبعات تحالفات لعقود من الزمن.
اللافت أن تركيز أوباما على الخطر الداخلي الذي يتهدد المشيخات لم يعد حالة مستجدة في خطابه السياسي، لكنه بمنظور القراءة الأميركية يبدو غريباً ودخيلاً على مفردات التعاطي مع الأوضاع الخليجية، ويبقى الأهم تلك الإشارات الواضحة إلى دورها في تغذية الإرهاب ودعمه والغمز من قناة الوجود الإرهابي الممنهج الذي أتاح للمشيخات أن تتصدر الدول الموردة للإرهابيين.
بين هذه وتلك تدور أحاديث في أروقة القرار الأميركي عن مقاربات تعتمد على سياسة تحالفات في المنطقة، لم تعد المشيخات جزءاً محورياً منها ولا العمود الفقري الذي يحدد مساراتها وأهدافها، ويتم الترميز لها سياسياً بلغة صراع الأجنحة بين الإدارة الأميركية وبين لوبيات الضغط التي تتمترس داخل الكونغرس، وهو ما يفسر اللجوء المتكرر للرئيس أوباما إلى تسريب أفكاره وقراءاته عبر توماس فريدمان ونيويورك تايمز، وليس في مرافعاته الكثيرة التي تلت توقيع اتفاق فيينا النووي.
الواضح أن التخوف الخليجي من خطر الانزلاق أبعد مما أشار إليه أوباما دفعهم إلى تنظيم حملة إعلامية وسياسية عاصفة باتجاه تفنيد ما ورد في حديثه من دون أن يكون الحديث حاضرا لا من بعيد أو قريب في العناوين أو التفاصيل، حيث تروج لـ «فضائل» الحكم الملكي الوراثي، ولماذا لم تسقط الأنظمة الملكية، في محاولة يائسة لاستباق تدحرجات الحديث الأميركي، وإظهار المسألة خلافات تقنية لا تفسد ود العلاقة المتأصلة، وتسوق بأن العقود الماضية أثبتت أن المشيخات كانت من أفضل الحلفاء للغرب، ولا بديل عنها وليس هناك من هو قادر على معالجة الخلل الذي سيحصل لو فكرت أميركا بغير ذلك، بل أكدت الأحداث أنهم كانوا يخدمون المصالح الغربية، وقد تم اختبارها وكانت المشيخات في كل مرة تؤكد «إخلاصها» لذلك التحالف.
في المحصلة.. يبدو أن رسائل أوباما لا تقتصر على محاكاة واقع العلاقة الخليجية، بل تحمل سمات الصراع القائم بمفرداته الطائفية، حين تغزو خطابه تلك المفردات المورّدة إليه حصرياً من المشيخات ذاتها ومن ساستها وملوكها وأمرائها، وهي في كل الأحوال وصلت مفصّلة، ومن دون تشفير، بدليل أن تلك الحملة لم تقتصر على الرد السياسي وعبر القنوات الدبلوماسية كما جرت العادة حين تظهر بوادر اختلاف أو امتعاض من الجانب الأميركي، بل تم التعامل معها كما جاءت وعبر الإعلام، وستتواصل فصول المجابهة على قاعدة أن ما حصل ليس حالة مؤقتة أو سوء فهم بقدر ما يعكس مواجهة مفتوحة على الاحتمالات، أقلها أن الامتعاض الأميركي بدأ بالانتقال من الجلسات المغلقة إلى الأروقة الإعلامية، وصولاً إلى مجالس السياسة.
لا أحد لديه أوهام حول الإرث الثقيل الذي يحكم تلك العلاقة، ولا التجاذبات التي تحدد هويته، لكنه في الحد الأدنى لن يحول دون تبادل الرسائل العلنية عن مواطن الخلل القائمة، وأن الكرة التي قذفها حديث أوباما عن «الشتاء» العربي ومسؤولية المشيخات كانت مجرد بداية، وليس بمقدور الوهم الخليجي أن يوقف تدحرج الكرة، فأوباما حين يعيد طرق مرمى المشيخات، ولو كان بعضها عن طريق التسلل إلى الإعلام، فهو يعني ذلك.. حيث رحلة البحث عن المشاجب لتعليق الأخطاء وتحميل المسؤولية انطلقت، ولن يعترف أحد إلا بما هو حاضر وقائم، وباقي الإضافات مجرد تفاصيل..!!
a.ka667@yahoo.com